البطاقة الذكية.. المرحلة التالية
| علي محمود هاشم
لم تعد البطاقة الذكية في قطاع الدعم التمويني خياراً منذ أن فشل الرهان على نجاحنا في تأمين استقرار نسبي لسعر الصرف قريب من حدوده الرسمية، وأيّا كان السبب في ذلك، فقد بات الدولار متباين الأشواط بين حديه الرسمي والأسود بنحو 30%، يتهدد قدرة المستهلكين والموازنات الحكومية على حدّ سواء، باختناق قدرتهما (الشرائية).
فالمستهلك، الذي يفتقر دخله إلى المرونة اللازمة للتكيف، يتأرجح اليوم على شفا حفرة تضخمية قياسية ينتظره في عمقها فشل مؤكد في تأمين أساسياته، بينما الخطر يُحدّق أيضاً في عينيّ الموازنات المخصصة للدعم جراء انعكاس التردد غير المنتظم لسوق النقد، تراجعاً في قدرتها على تمويل استيراد ودعم السلع الأساسية بشكل كاف.
هذه البيئة المشحونة بالمسؤولية الاجتماعية والمقيدة بالقدرات التمويلية المحدودة، هي -في الأغلب- من أسبغ صفة «الاستعجال» على تظليل الدعم التمويني بالبطاقة الذكية، كضامن وحيد لئلا (يموت الراعي أو يفنى القطيع).
وفق التصريحات الرسمية غير المكتملة، تتفكر اللجنة الاقتصادية في ترشيح 12 سلعة لتشميلها بالدعم التمويني، وهي سلة تزيد بنسبة وازنة عما كانت عليه قبيل عام 2015 (الشهير جداً) باستشراء فساد الدعم إلى الحدود التي أفضت لاتخاذ قرار ذي حساسية بالغة مسّت بالوجه الاجتماعي للدولة.
الزيادة (المحتملة) في سلة الدعم، عنها في 2015، ولأسباب تتعلق بالموارد، إنما تفترض ضبطاً أكثر صرامة لمتلقيه، وبذا قد لا يجدر العودة إلى هيكلية الدعم القديمة التي لم تقتصر مساوئها على الفساد وتهريب السلع المدعومة للاستفادة من فروقاتها السعرية ضمن السوق الداخلية ومع الأسواق المجاورة، بل تمتد إلى الخلل في تحديد الشرائح المستحقة، وهو ما يجب إصلاحه في الحال، ليس إحقاقاً للعدالة فقط، وإنما أيضا لتخفيف الأثقال –ما أمكن- عن كاهل التمويلات الحكومية الشحيحة أصلاً.
هذا السياق يعيد طرح السؤال الجديد القديم: من يستحق الدعم؟
مع توسيع مظلة البطاقة الذكية لتشمل الدعم التمويني، نكون قد ولجنا باباً من أبواب التحول الرقمي الذي لطالما فشلنا في خوضه أيام «الزمن الجميل»، وفي ظل استقرار (الحد المقبول) للبنية الفنية في مشروع دعم المشتقات النفطية عبرها، صار ترشيد الدعم وتعزيز إدارته بأعلى عائدية اجتماعية ممكنة، وخصوصاً في قطاع الدعم التمويني، أمراً ملحاً (ومتاحاً)، وهو ما يمكن توصيفه بالمرحلة الثانية (والحتمية) من المشروع.
في الشقّ الفني، ومن دون الإخلال بأمن قواعد البيانات وتوزعها،.يمكن لـ (شبكة الاتصالات الحكومية الآمنة)، أن تلعب دوراً مناسباً لتحقيق التفاعل المطلوب بين قاعدة بيانات البطاقة الذكية الخاصة بالدعم التمويني، والقواعد الكامنة في المؤسسات التي ستكون معنية ببناء نظام تشريح مناسب لمستحقيه.
أما لجهة تحليل نظام الدعم، فقد يكون مفيداً التذكير ببعض المحددات المتعلقة بتشريح المستحقين تبعاً لحجم فواتير الكهرباء في منازلهم على سبيل المثال، أو عدد السيارات والطرازات الحديثة التي تمتلكها الأسرة، حجم الحيازة الزراعية والعقارية، العمل التجاري، النشاط التصديري أو الاستيرادي، ضرائب الدخل، كما يمكن أيضاً الاستعانة ببيانات السفر إلى الخارج، أو غير ذلك ما سيراه الفريق المتخصص الذي ستوكل إليه مهمة وضع محددات الاستحقاق..
بطبيعة الحال، فكل المعلومات اللازمة لوضع هيكلية الاستحقاق، متوافرة ضمن قواعد بيانات موزعة في المؤسسات ذات العلاقة، وبهذا سيمكن للجهة الحكومية ذات المسؤولية التحقق داخلياً وبالسرعة المناسبة من البيانات المطلوبة لإقرار الدعم لأسرة ما، أو منعه عن أخرى.
(المرحلة الثانية) للبطاقة الذكية، أو أيا كان اسمها، هي اليوم خيار، لكنها لن تلبث أن تتحول إلى حتمية بعد قليل، ولربما يمكن لحذف (غير المستحقين) أن يكون أسهل حالياً تبعاً لتوقف الدعم كلياً خلال السنوات الأخيرة.. وفي كل الأحوال، سيبقى الباب موارباً لاستقبال تظلمات من شملتهم لوائح الحذف، كما لحذف من تثبت عدم أحقيتهم في الدعم.