(رضاكم) يثير الشفقة!
| علي محمود هاشم
يصعب مقاومة الإحساس بـ (الامتعاض) من مشاعر (الرضى) التي تساور مصرف سورية المركزي حيال أداء المصارف الوطنية في النصف الأول من العام الجاري.
(الرضى) الذي يعتمل صدر المصرف المركزي، وفقاً لما جاء في بيانه الصحفي حول اجتماعه بالمصارف نهاية الشهر الماضي، يتكئ إلى معلومات مبهمة كلياً استنبط من خلالها استنتاجاً لطيفاً حول مؤشرات التعافي (بعد انتقال المصارف رغم الظروف التي رافقت الحرب ورغم تشديد العقوبات الاقتصادية)، من الخسارة إلى تحقيق الأرباح مستنداً في ذلك إلى تزايد نمو القروض إلى حدود 15% متجاوزة بذلك معدلات نمو الإيداعات عند 10%!
هذا الطراز من غموض المقارنات بين بيانات مجتزأة أساساً، يتطلب التحوط من الإحساس المتسرع بالرضى إلى ما بعد الإجابة عن تساؤلات عديدة يتسق في مقدمها ذلك السؤال المتعلق ببنية التغير في نسبتي نمو الإقراض والإيداع كليهما، ومصدر كل منهما، وإذا ما كانت المقارنة المثيرة للرضى تلك، قد ارتكزت إلى تمظهر النمو في محفظة الإقراض بناءً على التراجع الكبير في الإيداعات التي أضحى التشدد في قبولها فصلاً أساسياً من ثقافة مصارفنا الوطنية بعدما آلت حالها إلى ما آلت إليه من تخمة تكاد تفتك بأرباحها، كما يجب التدقيق في إذا ما كان لشهادت الإيداع التي تم إصدارها شباط الماضي من دور محتمل في ترجيح كفة الأرباح (الخاسرة) من أساسها، وذلك بعد اعتبارها بمنزلة توظيفات!
ما سبق، لا يتجاوز التشكيك الشكلي بنزاهة إحساس المصرف المركزي بالرضى عن نفسه، وحال تدرج النقاش ليلامس بعض الجوانب العميقة لواقع قطاعنا المصرفي، فلربما يشعر المرء برغبة عارمة في النواح، إذ مثلا، لنفرض جدلاً، أننا أخضعنا موجودات المصارف الوطنية بالليرة السورية لمراكز القطع بطريقة عكسية، فماذا ستكون النتيجة؟
إخضاع الموجودات المتخيّل هذا لمراكز القطع، يستمد مسوغاته كسيناريو اختباري في هذه الآونة من عمر الاقتصاد الوطني، بما يعزز إمكانية تقييم موجودات المصارف وفقاً لقيمتها الواقعية اللازمة لتمويل ميولنا الجامحة نحو الطلب التجاري العابر للحدود.
للوقوف على النتائج المحتملة لذلك الإخضاع، قد تكفي نظرة تأشيرية للتيقن من أن تلك الموجودات، ومن ضمنها (الأرباح) التي دفعت أمامها أحاسيس المصرف المركزي بالرضى، قد خسرت ما لا يقل عن نصف قيمتها التمويلية جراء المنعكسات النقدية لاستمرار مصارفنا في استقالتها من أداء دورها الجوهري في تمويل الإنتاج وتنمية الناتج المحلي عموماً، وما كرسه ويكرسه ذلك من ضغط متراكم على الطلب الفعال للسلع المحلية، ينقلب بدوره تراجعاً في الحاجة إلى التمويل الإنتاجي!
لربما هي (سكينة القنوط) التي عادة ما ترافق الإحساس بالعدمية، تتنكّر كإحساس (بالرضى) ليس إلا، فالسكينة أكثر تناسبية مع تلك الإرهاصات الكارثية القائمة بعدما باتت أمراضنا الاقتصادية تتغذى من ذاتها بطريقة لولبية! هل ثمة أسوأ من هذه المعضلة ليشعر المرء بالرضى عنها؟
من زاوية ما غير اقتصادية، ثمة جانب مشرق لما يخالج المصرف المركزي من مشاعر طيبة حول أدائه، يتعلق الأمر بفرادة حالته على الصعيد الوطني، فخلا الحكومة وهو، قد لا يصادف المرء اليوم أياً من السوريين الذين يراودهم الرضى عن أوضاعنا الاقتصادية والنقدية التي تتطلب –للأسف- جيشاً من الغارقين بعدم الرضى كشرط مبدئي لتجاوز الإحساس بالسكينة.