3.5 مليارات ليرة الكتلة المالية للإعلانات في سورية العام الماضي منها 2.5 مليار عبر «مؤسسة الإعلان» … الأخرس: أزمات المحروقات تسببت بإحجام الفعاليات الاقتصادية عن الإعلانات
معراوي: الإعلان في المؤسسات الحكومية أحد بنود الإنفاق.. والاتجاه للإعلانات أصبح سلبياً
| الاقتصادية
تطولها الانتقادات بشكل شبه دائم، والسخرية في أحيان أخرى، ويرى البعض أنها لم تبارح مكانها قيد أنملة منذ عشرات السنوات، بل ما زالت تدور في الصيغة ذاتها بشكل يبعث على الملل وبعيداً من أي تجدد أو ابتكار، فالإعلانات للمؤسسات والفعاليات الاقتصادية السورية تعتبر تحصيلاً حاصلاً أو حاجة لا غاية من وجودها، وعلى الكفة الأخرى يرى البعض أن مستوى الصناعة الإعلانية تحسنت قليلاً، وتجاوزت مراحل عدة نتيجة اشتداد المنافسة بين الفعاليات الاقتصادية، إلا أن اللوم يلقى في الحالتين على نسبة انتشار الثقافة الإعلانية لدى المؤسسات في المقام الأول، ما يضع الكثير من إشارات الاستفهام حول نسبة الإنفاق المالي على الإعلانات في البلاد، والأسس التي تحدد بموجبه الميزانيات الإعلانية في المؤسسات الاقتصادية.
مدير المؤسسة العربية للإعلان أيمن الأخرس كشف عن أن الكتلة المالية للإعلانات المصروفة عن طريق المؤسسة للعام 2018 بلغت حوالي 2.5 مليار ليرة، بكل القطاعات سواء كانت إعلانات رسمية أم تجارية، أو إعلانات طرقية ثابتة أو غير ثابتة، وإعلانات مرئية تلفزيونية أو إذاعية أو في الصحف، على حين إنها وفي العام الحالي وبحسب دراسة تقديرية عن الربع الأول من العام وصلت إلى حوالي 400 مليون ليرة.
وبيّن الأخرس أن الإعلانات التي تنشر عن طريق المؤسسة في السوق الإعلاني تشكل ما نسبته حوالي 70 بالمئة، (ما يجعل الكتلة المالية للإعلانات في البلاد سواء كانت عن طريق المؤسسة العربية للإعلان أو غيرها تقدر بنحو 3.5 مليارات ليرة)، موضحاً أن الإعلانات الخاصة التي تنشر في الصحف ووسائل الإعلام الخاصة لا تمرّ عن طريق المؤسسة، وعلاقتها بها تنحصر في إعلانات القطاع العام فقط.
منع بعض الإعلانات من العرض عبر الإعلام الرسمي
ولفت الأخرس إلى أنه وخلال العام الحالي حصلت مجموعة أزمات، كأزمة المازوت والبنزين والغاز، أثرت بشكل كبير في المعامل والفعاليات الاقتصادية، التي أحجمت عن الإعلان خلال الفترة الأولى من السنة، مضيفاً: توقعنا أن تحصل قفزة نوعية في الإعلانات خلال شهر رمضان الماضي، إلا أن القفزة كانت في الإعلانات التلفزيونية فقط وفي بعض القنوات الخاصة، أما القنوات الرسمية فكانت إعلاناتها عادية جداً.
وأكد منع المؤسسة لبعض الإعلانات من الظهور عبر الإعلام الرسمي، منوهاً بإرسال ملاحظات عدة لشركات الإعلان بخصوص بعض الإعلانات التي ظهرت عبر وسائل الإعلام الخاصة، مضيفاً: هناك بعض الضوابط والأنظمة في قطاعات الدولة التي تمنع ظهور بعض الإعلانات إلا بعد الحصول على موافقات معينة.
وتابع: كان لدينا إشكال مع أحد الإعلانات عن الأدوية السرطانية الذي يذكر عدد حالات الإصابة بالسرطان يومياً، إلا أن الرقم لم يكن صحيحاً ويسبب حالة من الهلع لدى الجمهور، وجرى منع هذا الإعلان في الإعلام الرسمي وفي الإعلام الخاص أُرسلت كتب عدة بخصوصه، مضيفاً: الإعلان هو إعلام ووصول الفكرة الإعلانية أسهل من الإعلامية: لكون الأولى تصل بـ 30 ثانية وانتشارها أوسع، أما الأخيرة فتحتاج إلى تفكير ويعتمد وصولها على المستوى الثقافي للمتلقي.
وأكد مدير المؤسسة أن المؤسسات التجارية والصناعية والفعاليات الاقتصادية في البلاد تغيب عنها الثقافة أو الفكر الإعلاني والتسويق الإعلاني، معيداً ذلك إلى جملة من الأسباب منها ضعف القوة الشرائية بعض الشيء للمواطن، إضافة إلى كون القيمة المالية المخصصة للإعلان منخفضة مقارنة بالدول المجاورة.
وأضاف: حتى الآن ليس لدينا في مؤسساتنا الاقتصادية الفكر الإعلاني أو ثقافة الإعلان، على الرغم من أن الشركات الكبرى في العالم تخصص حوالي 15 إلى 20 بالمئة من ميزانيتها السنوية للدعاية والإعلان، وهذا بالتأكيد يحقق لها إيرادات مضاعفة للمبيعات، متوقعاً أنه ومع دخول البلاد مرحلة إعادة الإعمار، وبناء مؤسسات وفعاليات اقتصادية أن يتوافر لديها هذا الفكر ما يجعل السوق الإعلاني يعود أفضل مما كان عليه قبل الحرب.
وتابع: نمت ثقافة الإعلان قليلاً قبل الحرب، وبمقارنة بسيطة بين عامي 2011 و 2018، نرى أن الكتلة المالية للإعلانات عبر المؤسسة بلغت ملياري ليرة في عام 2011 أي إنها تقارب ما كانت عليه في عام 2018، إلا أن قيمة المليارين في عام 2011 بالقطع الأجنبي كانت كبيرة، ومن الصحيح أن الكتلة المالية بلغت العام الماضي نحو 2.5 مليار ليرة، إلا أن المؤسسة لم تضاعف قيمة الإعلان كما تضاعفت قيمة السوق، أي إن قيمته لم تضرب بـ 10 أو 12 كما هو الحال مع القطع الأجنبي، وأقصى زيادة حصلت منذ بداية الحرب على القيمة كانت 100 بالمئة فقط أي مضروبة بـ 2، مضيفاً: حاولنا أن نكون منطقيين قليلاً ونشجع على الإعلان بشكل أكبر.
الإعلان الإلكتروني مستقبل الإعلان
واعتبر الأخرس أن الإعلان الإلكتروني يشكل بديلاً من الإعلانات الحالية، سواء كان عبر المواقع أو صفحات التواصل أو التطبيقات الإلكترونية، موضحاً أن الكثير من الشركات يأخذ حيزاً في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشكل وسائل بديلة وتحقق انتشاراً واسعاً؛ لعدم وجود تكلفة تأسيسية عالية إضافة لكونها متاحة وتحقق أرباحاً، مضيفاً: الجميع صغاراً وكباراً أصبحوا يستخدمون الإنترنت وبالتالي وصول هذه المواقع أصبح أسرع وبمتناول اليد إلى جانب أن انتشار استخدام الموبايل بين السكان في البلاد وصل إلى نسبة حوالي 97 بالمئة.
ورأى أن الإعلان الحديث والمستقبلي هو الإعلان الإلكتروني سواء تطبيقات إلكترونية إعلانية أم عبر وسائل التواصل، إلا أنه وفي الوقت ذاته يعتبر وسيلة حساسة وخطرة؛ لكونه من غير الممكن السيطرة عليه، متوقعاً أن تشهد التطبيقات ازدهاراً كبيراً، مضيفاً: لمرحلة ما من الممكن للإعلان الإلكتروني أن يطيح بعض الشيء بالأنواع الإعلانية الأخرى نتيجة انخفاض الكلف التأسيسية له، على حين إن إنجاز الإعلان التلفزيوني على سبيل المثال يحتاج كلفاً تأسيسية عالية إلى جانب أن أجور بثّه عالية، ولكن حتى الآن لا غنى عنه لكون التلفزيون كوسيلة ما زال موجوداً.
وعن أهمية الإعلان لدى المؤسسات التجارية، لفت الأخرس إلى أنه من المفترض أن يكون الإعلان الخطوة الأولى بأي منشأة تجارية، أي الركيزة الأساسية لإطلاق عملها، موضحاً أن أي منتج جديد لدى المنشأة يجب أن يحظى بالدعاية الصحيحة والتسويق الإعلاني الصحيح؛ نظراً لأن الإعلان المؤثر بالجمهور يحقق نتائج إيجابية كبيرة، مع تأكيد ضرورة أن يكون المنتج جيداً.
ورأى أن تكلفة الإعلان مقارنة بالمبيعات تعتبر لا شيء عملياً إذا ما نجح المنتج، مضيفاً: من يخصص نسبة 15 أو 10 بالمئة من قيمة المنتج للإعلان لا بد أن يحقق مبيعات مضاعفة.
وأضاف: من الملاحظ أن افتتاح أي منشأة تجارية جديدة يرافقه زخ هائل من الإعلانات سواء أكان طرقياً أم تلفزيونياً أو عبر مواقع التواصل للتركيز على منتجاتها.
ورأى المدير أن رفع مستوى الإعلان محلياً ونشر ثقافته يرتبط بالكتل المالية المخصصة للإعلان لدى الشركات، منوهاً بأن المؤسسة ستسعى، وهذا من أحد أهدافها، إلى رفع مستوى الإعلان، من خلال وضع ضوابط، إلا أنها تحتاج إلى وقت لتشرع وتصبح ضمن قوانين المؤسسة.
وأضاف: نحن نسعى ولكننا بحاجة إلى مساعدة من القوانين والأنظمة، وبالطبع ليست غايتنا السيطرة على السوق الإعلاني أو غير ذلك، بل رفع مستوى الإعلان والتشجيع على المنافسة عبر إجراء مسابقات لتحديد أفصل الإعلانات وتقديم عروض وحسومات لأفضلها، وهناك أكثر من خطة يجري العمل عليها حالياً.
ولفت الأخرس إلى كون الوكلاء الإعلانيين شركاء للمؤسسة وجزءاً أساسياً من عملها، مؤكداً أن من يعمل منهم يعتبر نشاطه جيداً إلا أن الاصطدام يكون بواقع الشركات والموازنة المخصصة فيها للإعلان وبالتالي فالوكلاء في أزمة.
المعلنون يعتبرون الإعلان خسارة وليس استثماراً
الأستاذة الجامعية في كلية الإعلام بجامعة دمشق قسم العلاقات العامة والإعلان أميمة معراوي رأت أن الثقافة الإعلانية غير منتشرة محلياً كأداة ضرورية لترويج وزيادة المبيعات ما يجعلها غير رائجة.
وأضافت: كنظرة عامة فالمؤسسات الحكومية ومن خلال حملاتها التوعوية يمكن التأكد من عدم وجود ثقافة الإعلان لديها إلا كضرورة ملحة لكونها بنداً من بنود الإنفاق، وهذه الثقافة تغيب أيضاً عن المؤسسات التجارية والإنتاجية، مضيفةً: لو تركت ثقافة الإعلان لتنتشر من خلال المعلنين ما كانت لتنتشر؛ لكونهم يعتبرونها خسارة، وتنطوي على أخذ مبالغ مالية منهم على عكس من حقيقة أنه استثمار ودفع مبلغ مالي معين لتحقيق أرباح.
وأكدت معراوي أن الاتجاه نحو الإعلانات السورية أصبح سلبياً رغم وجود إعلانات قليلة جيدة؛ لكون الصفة الإيجابية تخص والسلبية تعم، موضحةً أن الصيغة الغنائية في الإعلانات بداية ظهورها كانت جيدة ولها تأثير وتعلق في ذهن الكبير والصغير، إلا أنه وعندما أصبحت الإعلانات جميعها تعتمد هذه الصيغة فهذا سبب حالة من الملل، مضيفةً: ثقافة الإعلان الطرقي موجودة وإعلاناته جيدة من ناحية التصميم والأداء.
وتابعت: تلخصت دراسة أعدت في كلية الإعلام عن اتجاهات الجمهور واتجاهات المعلنين نحو الإعلانات الطرقية، بأن الإعلان الطرقي من أقوى السبل في الوصول إلى الجمهور؛ لكون عرضه يستمر 24 ساعة وتأثيره كبيراً، ما جعل الاتجاه نحوه إيجابياً خاصة في الفترة التي غابت فيها الإعلانات التلفزيونية، فجرى التعريف بأكثر من منتج جديد من خلال الإعلانات الطرقية، مؤكدةً أن غياب الإعلانات التلفزيونية خلال الفترة الماضية جعل أغلب الدراسات تتركز على الإعلانات الطرقية.
ولفتت الأستاذة الجامعية إلى أن الإعلانات التلفزيونية حالياً عادت لما كانت عليه قبل الحرب، أي إلى ثقافة الإعلانات القديمة التي لا تحترم الجمهور، إلا أن هذا لا ينفي أن الحركة الإعلانية بدأت تتنشط، مضيفةً: ما شهدناه في رمضان من إعلانات يؤكد أن النظرة لم تختلف كثيراً إلا لإعلانات قليلة كانت فعلاً مميزة، ما يدل على بدء الانطلاق من حاجة الجمهور وطريقة تفكيره واعتماد المنهج العلمي وتخطيط الحملات الإعلانية بعيداً من استخدام الموسيقا والأغاني والرقص التي تستخف بالعقول.
وتابعت: في خضم المنافسة بين السلع الاستهلاكية لا بد من وجود الإعلان، فاسم السلعة يجب أن يكون موجوداً، ولا بد على مصممي الإعلانات من إجراء دراسات ومعرفة رأي الجمهور حتى لو لم يرغبوا باستشارة أكاديميين متخصصين، إذ لا بدّ أن يكون هناك استجابة من الجمهور بعد عرض الإعلانات ولو كانت حملات توعية.
أسس خاطئة
الأستاذ الجامعي في كلية الإعلام في جامعة دمشق قسم العلاقات العامة والإعلان عبد العزيز قبلان أكد أن البحوث العلمية عملية ضرورية جداً قبل بث الإعلان لمعرفة الوقت الذي تتابع فيه كل شريحة من الشرائح أي وسيلة من الوسائل، مضيفاً: الإعلان لا يستقيم في المجتمع دون هذا المبدأ، ونظراً لغيابه محلياً فلا يمكن القول إن ثقافة الإعلان موجودة؛ لكونها مبنية على أسس خاطئة، إلى جانب غياب دور الوكيل الإعلاني الذي من الممكن أن يوجه المعلن نحو الوسيلة الأفضل للإعلان والشكل الذي يجعله أكثر فائدة وتأثير، إضافة إلى غياب البحوث التي تجرى على الإعلانات بعد عرضها لمعرفة مدى تأثيرها وتقييم الحملة الإعلانية وهو ما يجب أن تقوم به مراكز بحثية.
وبيّن قبلان أن المؤسسة العربية للإعلان كانت وعلى مدى سنوات طويلة ومنذ تأسيسها الوكيل الإعلاني الحصري في السوق المحلية أي إنها مستولية على السوق الإعلانية في البلاد، وتوجه الإعلانات للوسائل الإعلامية من دون الاعتماد على البحوث العلمية، مضيفاً: الموضوع أيضاً يتعلق بالتنافس فالمؤسسة استولت على سوق الإعلان حتى العام 2016 لكن عندما يصبح هناك وكلاء متنافسون ومراكز بحوث ومنتجون متنافسون تتحرك السوق الإعلانية محلياً وهذا يعتبر ضرورياً لتنشيط الاقتصاد، والوكيل الإعلاني يجب أن يقدم الرؤية المناسبة للمعلن، ومن الممكن أن يكون السبب في عدم فعالية دور الوكيل الإعلاني هو غياب تنظيم هذه المهنة حالياً ووضع أسس ممارستها.
وتابع: الوكلاء الإعلانيون هم وكلاء للمؤسسة ولكن في العام 2016 عندما شهد النظام الداخلي للمؤسسة تغييراً يقضي بعدم تدخلها في إعلانات القطاع الخاص لدى وسائل الإعلام الخاصة بدأ سوق المعلنين بالتحرك قليلاً، مضيفاً: الإذاعات الخاصة تشهد حالياً كثافة بالإعلانات لكون السوق متعطشة وهناك رغبة من المعلنين وشجعهم على ذلك تخفيض أجور الإعلان من الإذاعات وغياب التعقيدات الإدارية والنسبة التي كانت تتحصلها المؤسسة سابقاً، لكن لا أحد يعرف تأثير هذه الإعلانات بعد وخاصة أن نسبة الاستماع للإذاعات انخفضت.
وعن الإعلانات الدولية التي تبث عبر وسائل الإعلامية المحلية، أكد الأستاذ الجامعي أنها ليست فكرة مرفوضة أو سلبية بالمطلق، ومع غياب الجهة القادرة محلياً على الإبداع في صناعة الإعلان هذا يجعل الشركة صاحبة المنتج مضطرة لعرض إعلانها العالمي وليس لديها أي فرصة لإنتاج إعلان يناسب البيئة محلي.