شؤون محلية

«الصناعة»: لا نستطيع أن نقول إنه منتج سوري و«التموين»: من الصعوبة تحديد الأسعار النهائية

سيارة صنع في سورية؟!

| حمزة الحاج محمد

بعد مرور أكثر من أربعة عشر عاماً على ظهور شركات تجميع السيارات المحلية وحالة التعطش التي طرأت على هذه الصناعات خلال سنوات الحرب على سورية وما رافقها من توقف لعجلة الإنتاج بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سورية، ومع عودة الشركات إلى الأسواق، إلى أي حد يبدو خيار تجميع السيارات المنتجة محلياً واقعياً، فهل التصنيع بالطريقة التي تجري في معاملنا اليوم قادرة على المنافسة أو توازي نظيراتها الأجنبية، أم إنها فقط هدف لبعض التجار والمستثمرين وبيئة مناسبة لتوظيف واستثمار أموالهم في هذا المجال؟

«الاقتصادية» استطلعت آراء عدد من المختصين الاقتصاديين لمعرفة الصورة وما يعتريها من تشويه، وكيف يمكن تطوير هذا القطاع ليكون في خدمة المواطن والوطن وكي لا يبقى فريسة بيد حفنة من التجار الذين يتحكمون بالسوق والسعر وفق مصالحهم الخاصة مستغلين الظروف التي تمر بها البلاد منذ سنوات الحرب.

الأستاذ في كلية الاقتصاد علي كنعان رأى أن الصناعات السورية بشكل عام تقوم على مبدأ الخطوة خطوة للنهوض بالمنتج، وخاصة الصناعات التي تتوافر لها المواد الأولية، ومن ثم الانتقال إلى صناعة السيارات ولكون الدولة لا تستطيع الحصول على معمل كامل ولا كفاءات لتشغيل هذا المعمل لذلك تبدأ بعملية التجميع.

وأشار كنعان إلى أن مجال الاستثمار في تجميع السيارات هو الأكثر جاذبية لرؤوس الأموال، وتتجاوز الأرباح فيه المئة بالمئة، لذلك يلهث أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وراء إقامة صناعة أرباحها مرتفعة ولاسيما أن الاستيراد يعاني صعوبات منذ بداية الحرب على سورية، ومن جهة ثانية فإن إقامة علاقات تجارية مع شركات عالمية مثل مرسيدس- هوندا – كيا، تصب في خدمة التاجر ليكون قطباً صناعياً مميزاً في المستقبل.

الأسعار

يبين كنعان أن واقع الأسعار للسيارات لا يتناسب مع دخل المواطن حتى لو انخفض سعرها إلى خمسة ملايين ليرة سورية وتم طرح عروض لعملية تقسيطها لعشر سنوات بقسط 33 ألف ليرة سورية شهرياً، فإن المواطن غير قادر على شراء السيارة، وهذا يظهر أن المشكلة ليست بالسلع وإنما هي مرتبطة بدخل المواطن.

ويقوم مبدأ سعر السيارات على آلية مفادها أن يستورد المصنّع قطع التجميع ويعيد تركيبها، وعلى سبيل المثال إذا كانت تكلفة المواد الأولية للسيارة هي خمسة ملايين ليرة سورية يضاف إليها نفقات أجور العمال، إلى جانب النفقات غير المباشرة للخدمات التي تقدم لهذه المنشأة، فإن المصنّع يطلب من الربح على التكاليف المباشرة وغير المباشرة بنسبة 25% أو 30% وهذا الربح مقبول نسبياً، ولكن من غير المنطقي أن يربح 100% أو 200%، وهذا ملاحظ من خلال تصرفات المنتجين، الذين يضيفون هوامش أرباح على هواهم، حيث يسعرون «دينمو» السيارة بألف دولار بضربه باثنين أو ثلاثة، وفي هذه الحال ترتفع التكلفة.

وعن آلية ضبط هذا التلاعب يؤكد كنعان أن الأمر سهل من خلال مطالبة مديرية الجمارك العامة بفاتورة نظامية من المستورد ومطابقة المواصفات إضافة إلى مخاطبة الشركة الأم لترسل الفاتورة عن حقيقة السعر مادامت الأسعار العالمية اليوم للسيارات لأي موديل أصبحت في متناول الجميع ولا يغفل عن أحد من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وبإمكان أي مواطن أن يحسب بدقة الأسعار أو التكاليف.

لجان معنية بالسعر

ويشكك كنعان بدور اللجان في تحديد السعر الدقيق بالقول: إذا أرادت اللجان المختصة المؤلفة من وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والاقتصاد والتجارة الخارجية تحديد السعر الحقيقي فإنها تستطيع الوصول إلى التكاليف بأدق التفاصيل وهذه ليست مشكلة ولكن المشكلة تكمن في عمل اللجان.

وأضاف: «إذا تم حصر التكلفة للتسعير والتأكد منها تنخفض الأرباح وسعر السيارة التي لا تختلف عن أي سلعة أخرى، والحل يتم من خلال إلزام المصنعين بوضع المواصفات العالمية ومراقبتها لكل مرفقات السيارة، عن طريق التدخل المباشر للدولة لضبط هذه العملية، التي قد يتأثر من تبعاتها الكثير من المواطنين».

وفيما يتعلق برأي الشركات والمصانع التي تجمع السيارات محلياً عن الطريقة التي تعتمدها لتحديد الأسعار فقد غاب موضوع التسعير ولم يتم الحصول على أي معلومة تخص السعر لدى ذهابنا إلى إحدى الشركات المصنعة وتحديداً «سيامكو» التي تعد مصنعاً مشتركاً بين القطاع الحكومي والشريك الإيراني، حيث قوبلنا بالاعتذار عن أي تصريح يخص السعر، وقالت لنا سكرتيرة المدير العام للشركة «لا تصريح حول تسعير السيارات في الوقت الحالي لحين بدء معرض دمشق الدولي».

صنع في سورية

أوضح المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية في وزارة الصناعة أسعد وردة لـ«الاقتصادية» أن الغاية لوجود صناعة مثل تجميع السيارات هو توطينها ورفع القيمة المضافة في هذه الصناعة من المنتج الوطني، بحيث نقول في مرحلة ما بأن هذه السيارة صنع سورية، ولكي نصل إلى هذه المرحلة لا بد من الدخول في موضوع التجميع ثم الاستعاضة عن بعض مكونات السيارة عن طريق تصنيعها داخلياً بشكل أو بآخر، ما يمهد الدخول إلى عالم صناعة السيارات، من خلال تأمين البنى التحتية اللازمة وشروط تحقيق مبدأ الصالات الأربع الذي يعني بأن مكونات السيارات تصنع جزءاً كبيراً منها كالهيكل ومعالجته ودهانه في موقع المنشأة ضمن سورية، وهذا الأمر يقتضي تمويل المستوردات لهذه الصناعة ريثما نصل إلى المرحلة المنشودة كما حصل في صناعة الدراجات في مرحلة من المراحل.

ويؤكد وردة أن آليات ضبط الجودة التي تكفل للسيارة المحلية المواصفات المناسبة، هي أن عملية تجميع السيارات بموجب توكيل من الشركة الأم المصنعة، ومدى حرص هذه الشركات بأن تتمتع منتجاتها بمواصفات قياسية جيدة تؤهلها للمنافسة مع نظيراتها، وترتبط عملية ضبط الجودة بالشركة التي تمنح الامتياز من خلال إرسالها الخبراء لفحص خطوط الإنتاج في شكلها النهائي ومنحها شهادة الجودة في المنتج الموجود ضمن سورية.

وبالنسبة للقوة الشرائية للمواطن يؤكد وردة أنها مرهونة في الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وتعد الطبقة الوسطى الشريحة المستهدفة في هذا النوع من السيارات، مضيفاً: أمام هذا الواقع نقول وبكل صراحة بأن هذه الشريحة عاجزة كلياً عن اقتناء السيارة علماً أن هناك فرقاً كبيراً في السعر للسيارات المتاحة في أسواقنا وللبلدان المجاورة، وسبب هذا الفرق هو الضغوط والعقوبات الاقتصادية المفروضة على شركات التأمين وبعض الطرق الالتفافية، وهذا يعني أن هناك زيادة بالتكلفة التي تنعكس على سعر المنتج.

ويرى وردة أن ما يشجع المواطن على اقتناء سيارة مجمعة هو خدمة ما بعد البيع من خلال توافر قطع التبديل والوكالات الخاصة وضمان بحسب كل شركة على حدة لهذا المنتج وهذا عامل يحسب لمصلحة هذه السيارات، ما يعد سببا لرغبة المواطن لاقتناء السيارة المجمعة محلياً.

ووفق وردة فإن وضع تجميع السيارات حالياً لا يرقى لمستوى الصناعة الحقيقة لأن السيارة تصل إلى المصانع مفككة بالكامل ومكوناتها بالكامل تأتي عن طريق الاستيراد وهذا يعني بأنه لا يوجد أي قيمة مضافة في هذه العملية ولا نستطيع أن نقول بأنه «منتج سوري»، ووفق القانون 212 والقانون 21 لعام 1951 الذي لا يعتبر أنه صناعة سورية ما لم تحقق قيمة مضافة تزيد على 25 بالمئة.

لجان التسعير

تحدث معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب لـ «الاقتصادية» عن آلية تسعير السيارات المنتجة محلياً، حيث كشف بأنه تم تشكيل لجنة من وزارات عدة متمثلة بوزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارتي النقل والصناعة إضافة لممثلين عن الجمارك وغرفة الصناعة والشركات المصنعة محلياً لدراسة موضوع تسعير السيارات المصنعة محلياً وذلك بموجب القرار رقم / 1677/ تاريخ 20/ 6/ 2018/ لمناقشة موضوع التسعير.
ويؤكد شعيب أنه تم عقد اجتماعات لدراسة موضوع التسعير من واقع تكاليف الاستيراد المقدمة من أصحاب معامل تجميع السيارات.

وكشف شعيب عن صعوبات اعترضت عمل اللجنة من حيث تحديد أسعار السيارات من حيث (اللون- نوع الجلد – نوع الفرش – نوع الدولاب – الجنط)، ورأى أن هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً بالنسبة لتحديد أسعار وتكلفة السيارات بعد تجميعها محلياً، مشيراً إلى أن الأسعار الاسترشادية المحددة التي وضعتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية للسيارات تأتي بحسب نوعها ومواصفاتها وفق شرائح الأسعار وبالتالي عدم التصريح عن القيمة الحقيقية لمكونات السيارة.
وبرأي شعيب فإن هذه العوامل وما سبقها مجتمعة تلعب دوراً أساسياً في تسعير السيارات وبالتالي من الصعوبة دراسة تكاليف تجميع السيارات محلياً وتحديد أسعارها النهائية.

وعن حرص وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على استقرار الأسعار وعدم ارتفاعها يؤكد شعيب أن أعضاء لجنة القرار رقم/1677/ اتفقوا على اعتماد آلية التسعير وفق إعداد بيان التكلفة من صاحب الفعالية/ إنتاجاً – استيراداً / من واقع تكاليفه الفعلية ويحتفظ به لحين الطلب أو الشكوى، حيث يقدم هذا البيان إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك المعنية بنشاطه التجاري أو الصناعي ليتم تدقيق دراستها ضمن اللجنة الاقتصادية المعنية واتخاذ الإجراء المناسب بحسب مضمون قرارنا رقم /2654/ لعام 2017. وبموجبه تم إصدار كتاب إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في جميع المحافظات.
وعن السيارات التي لم يتم الإعلان عن السماح بتجميعها يقول شعيب: «إن جميع السيارات تسعر بالطريقة نفسها من خلال دراسة تكاليف الإنتاج حسب المواصفة ويتم التسعير، وبالتالي تراقب من قبلنا مطابقة التكلفة مع البيانات المقدمة والسعر المعروض، بحسب كل موديل على حدة له تكلفة تختلف حسب المواصفة، لذلك فإن هذا الموديل له بيان تكلفة يختلف حسب المواصفة.

وشدد شعيب على أن هيئة المنافسة التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعمل على قمع أي حالة احتكار حول سعر السيارات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى