ليس لدى الحكومة وقطاع الأعمال، ما يقوله أحدهما للآخر.. هذه الخلاصة باتت مؤكداً يمكن اعتناقه وفقاً لمجريات الاجتماع الثاني (للشراكة) بينهما!
في اجتماع الشهر الماضي، بدا رجال أعمالنا وكأن الحكومة داهمتهم بمطالبتها لهم مراكمة المزيد من الأرباح التي جنوها ويجنونها في غمرة الحرب، لكن هذه المرة، عبر تعبئة قسم ولو ضئيلاً منها في قنوات الاستثمار الإنتاجي بعد تطعيمها بالعوامل التنموية الضرورية لمناهضة المنعكسات الخطرة للحصار الاقتصادي.. رفعوا حواجبهم آنذاك، وطفقوا يرددون نظرياتهم المعروفة حول طرائق الانعتاق من (الفراغ) الذي يتلولب الاقتصاد الوطني ضمن حلقاته الحادة!
ما اعتبرته الحكومة خذلاناً في الاجتماع الأول ذاك، لم تتأخر عن الانتقام له -فيما يبدو- خلال الثاني الذي عقد الأسبوع الماضي.
فبعدما جددت التذكير بما خلفته الحرب من صعوبات بنيوية، وكررت الحديث على مسامع رجال الأعمال عن أهمية «رفع سقف» الأفكار اللازمة لتجاوزها، وطالبتهم بتقديم رؤيتهم للتنمية الوطنية «لأن الوقت لم يعد يسمح» بمزيد من الانتظار، قفزت الاتحادات مجدداً إلى متاريسها المصنّعة بأكياس المطالب الروتينية التي، وإن كانت محقة تماماً في الأزمنة الطبيعية، إلا أنها تبدو مراوغة إلى حد بعيد إذا ما قيست بازدهار أعمال أعضائها راهناً، وبما تحققه لهم من أرباح أكثر ازدهاراً، على الرغم من الغياب النظري لتلك المطالب!
هذه اللزوجة التي مارسها قطاع الأعمال في اجتماع (التشاركية) الثاني لم تمر دون ثمن، ولربما كانت هي الثغرة التي رأت فيها الحكومة طريقاً لانتقامها المعنوي عما جرى في الأول والثاني، فذهبت بعض مفاصلها (الاستشارية) إلى انتقاد ما تعانيه اتحاداتنا الاقتصادية الخمسة من ترهل، وافتقارها (للمأسسة) جراء (الخلل الذي يعتري بنيتها)، لا بل بلغ الأمر حتى مطالبة رجال الأعمال بضرورة (تصويب رؤيتهم ونظرتهم إلى العلاقة مع الحكومة ومؤسساتها المالية والاقتصادية على جميع الصعد)!
الغمز «المنمق» من قناة الاتحاددات وما يقابله من تلكؤ ممنهج، يعكس حالة من القطيعة العاطفية بين الحكومة وقطاع الأعمال على الطرفين الاعتراف بها وتجاوزها بأسرع ما يكون، فكلاهما بحاجة ماسة للآخر على المدى الأطول، وقد حان وقت التعاون معاً للتخلص من عوارض «زمن التهريب» وحمى الأرباح السريعة التي يصعب الشفاء منها بعدما عشعشت حلاوة عائداتها تحت أسنان بعض قطاع أعمالنا وشركائه الفاسدين! فبغض النظر عما يمكن قوله من مجلدات في أداء الحكومة حيال تهيئة الأجواء المثالية للاستثمار، ففي المقابل لدينا اليوم عشرات المشروعات الإنتاجية الجاهزة للاستثمار بقيمة مضافة عالية وأسواق مؤكدة وأرباح مضمونة كتلك التي تم الإعلان عنها عبر مبادرة (إحلال بدائل المستوردات) التي وضعت وزارة الاقتصاد 45 سلعة منها على لائحتها، أم تلك المصلوبة على الموقع الإلكتروني لهيئة الاستثمار، والتي تعد في معظمها مشروعات (كبرى)، تزيد في (كبرها) عما درج اتحاد التجار مؤخراً على المطالبة بإشراكه في تشغيلها تشاركياً!
رياح الفشل ستلفح الجميع، بعض رجال أعمالنا، يرتكبون خطأ جسيماً باعتقادهم أن (تبدل الكراسي) سمة حكومية محضة، لربما يجب عليهم إعادة النظر في اعتقادهم هذا بعد هذه الحرب التي طبعتنا بسحنتها الخاصة، للتيقن من ذلك، يكفي لأي منا إلقاء نظرة خاطفة على رأس الآخر، ليتأكد من أنها (بلا ريشة) فوقها!
ولأننا كذلك، وتبعاً للحرب المفصلية التي حاولت وتحاول سحق اقتصادنا الوطني، ومع تزايد حاجاته إلحاحاً إلى الموارد ومن أي مصدر، داخلياً كان أم خارجياً، تتبدى لعبة (القطيعة العاطفية) وكأنها طقس انتحار جماعي من أعلى الكراسي، فمن لم يذهب بقرار، فسيذهب بغيره إذا ما حاصرتنا احتياجاتنا الاقتصادية بأكثر مما تفعل اليوم.