فوضى سوق العقارات في سورية إلى متى؟ منزل في المالكي بمليار ليرة .. وأقل منزل في الروضة متره 1.2 مليون ليرة!!
| فادي بك الشريف
يمكن القول: إن قطاع العقارات في سورية من أكثر القطاعات فوضى وأقل تنظيماً كما هو ملاحظ، وقلما تحكمه القوانين والآليات، بقدر ما يتحكم به المتنفذون والتجار!.. فأسعار العقارات مرتفعة منذ سنوات طويلة، وتشهد دمشق خصوصاً ارتفاعاً في أسعار الشقق السكنية والمحال على اختلافها، قبل ارتفاع سعر الصرف، وجنت بعد ارتفاعه عدة أضعاف!
وعلى الرغم من تراجع سعر صرف الليرة لفترات معينة، إلا أن أسعار العقارات من القيم الجامدة التي لا تنخفض إلا بحدث جلل وبطيء، وهذا الذي لم يحدث، إذ أصبحت هذه الأسعار أعلى بكثير من قدرة السوريين على الدفع، ولم يحرك هذا الركود الأسعار نزولاً بتاتاً، بل تستمر الأسعار بالصعود حتى اليوم، ولا مؤشرات حول انخفاض الأسعار في ظل ترك القطاع للتجار وابتعاد الحكومة عن تنظيمه بشكل كبير، مع استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية واستمرار ارتفاع أسعار مواد البناء!
ويمكن القول أيضاً: إن هناك فرقاً بين سوق الشقق وسوق الأراضي التي يزداد الإقبال عليها تحضيراً لمرحلة إعادة الإعمار، إذ يعاني سوق المنازل ركوداً بسبب ارتفاع أسعارها بما يفوق قدرة السوريين الشرائية، في وقت يكون فيه متوسط دخل السوري 35 ألف ليرة وسعر المنزل في دمشق لا يقل عن 20 مليون ليرة سورية.. فكيف؟ وأين؟ ومتى؟
مناطق وأرقام كبيرة
من خلال رصد واقع الأسعار في بعض المناطق، أكد صاحب مكتب عقاري في منطقة أبو رمانة أن السعر يختلف حسب المساحة وطبيعة المنطقة، مبيناً أن المنزل مساحة 150 متراً مع سطح، تصل تكلفته إلى 250 مليون ليرة سورية، كما يتجاوز سعر المنزل مساحة 250 متراً أكثر من 300 مليون ليرة، مضيفاً بالقول: «هيك أسعار المنازل في هذه المنطقة»، مشيراً إلى أنه لا يوجد سعر منزل في المنطقة دون الـ 150 مليون ليرة. كما يصل سعر المنزل 180 متراً (طابق أول) في منطقة الروضة إلى 250 مليون ليرة، ومنزل مساحته 135 مترًا بـ 180 مليونًاً وهو بحاجة إلى إكساء جديد، ولاسيما أن الكسوة قديمة، والقبو مساحة 160 متراً بـ 180 مليون ليرة.
ولتتمة الحديث تواصلنا مع صاحب أحد المكاتب العقارية في المالكي بدمشق، حيث قال: لا يوجد ضابط للسعر ولا يوجد نص قانوني يلزم أصحاب العقارات بسعر معين، فشقة 240 متراً في أبو رمانة طابق أول مع مصعد تصل إلى حدود 440 مليون ليرة سورية (كسوة قديمة) فيكون المتر قد وصل لحدود المليون و800 ألف ليرة سورية، بينما يصل سعر شقة في المالكي بالقرب من مشفى الشامي مساحة 250 متراً لحوالي المليار ليرة، وهي عبارة عن 3 غرف نوم وصالونين مع بلكون ذي إطلالة رائعة.
مضيفاً: أما في منطقة الروضة فيتراوح سعر المتر بين المليون و200 ألف و المليون و800 ألف ليرة سورية، فمثلا شقة 150 متراً أرضياً مع حديقة يصل سعر المتر للمليون و800 ألف ليرة سورية، أما الطوابق العالية فتكون أرخص من الأرضية لسقوط الترخيص عنها.
وختم قائلاً: أما شقة غربي المالكي مساحة 350 متراً مع إطلالة مفتوحة وكسوة سوبر ديلوكس وباركينغ وتدفئة مركزية وطاقة شمسية، فقد يصل سعرها للمليار ونصف المليار ليرة سورية فقط لا غير!
تفلّت سعري.. ولا قانون حاكماً
وأكد صاحب أحد المكاتب العقارية في المزة أنه لا قانون يحكم السعر للبيع والشراء، فالفروقات بالأسعار موجودة بالبناية نفسها، وبين أن سعر المتر مثلاً في المزة شرقية يتراوح بين المليون والمليون و300 ألف، كما يصل سعر المنزل في الشيخ سعد 160 متراً إلى 107 ملايين ليرة، أما في بنايات 14مثلا ( طابق رابع) يصل سعره إلى 180 مليون ليرة، وفي الفيلات (غربية وشرقية) ومنطقة السفارات فيصل سعر المتر للمليون ونصف المليون ليرة، أي منزل مساحة 100 متر يصل سعره إلى 100مليون ليرة سورية.
وختم قائلاً: بالإضافة لذلك فهناك أشياء أخرى تتحكم بالسعر أيضاً.. مثلاً إذا كان طابقاً أرضياً ومعه حديقة فيكون السعر مختلفاً أيضاً، وحسب اتجاه المنزل يختلف السعر.. وحسب الإكساء أيضاً.
بينما قال صاحب مكتب عقاري في المزة أوتستراد: أي منزل مساحته 150 متراً في هذه المنطقة وفي الفيلات الغربية يتجاوز سعره 170 مليون ليرة، حسب الكسوة والارتفاع والبناء، والمنزل 250 متراً يتجاوز سعره الـ 180 مليون ليرة، مضيفاً: هناك جمود حالي في سوق العقارات، والدولار أثر بشكل ملحوظ في مسألة ارتفاع الأسعار.
تقييم خبير: الأسعار سببها الأزمة
ويقيّم الوزير السابق والخبير العقاري الدكتور محمد الجلالي في حديث لـ «الاقتصادية» أسعار العقارات حالياً ولا سيَّما بعد ارتفاع سعر صرف الدولار.. بقوله: إنَّ أسعار العقارات في سورية بشكلٍ عام تأثَّرت بشكلٍ ملموس بظروف الأزمة، حيث ارتفعت الأسعار في بعض المناطق، بينما انخفضت في مناطق أخرى لتصل إلى حدود التكلفة وربَّما أقل بقليل، وهذا ينسجم مع القوانين الاقتصادية التي تحكم الأسعار وهي قوانين العرض والطلب.
وفيما يتعلَّق بانخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي فإنَّ تأثيره في أسعار العقارات لا يكون بشكلٍ مباشر، فهو من ناحية يخفض الطلب بسبب تآكل المُدَّخرات، ومن ناحية أخرى وعلى المدى البعيد يؤدِّي إلى تراجُع العرض بسبب ارتفاع تكاليف تشييد المساكن الجديدة، وبسبب الفروق في سرعة الاستجابة بين العرض والطلب، فإنَّ المتوقَّع في المدى القصير عدم ارتفاع أسعار العقارات مع تراجع سعر صرف الليرة السورية، إلَّا أنَّ تراجع الاستثمار في تشييد العقارات الجديدة سيؤدِّي في المدى الأبعد إلى عودة ارتفاع الأسعار.
تفاوتات وانعكاسات غير منطقية.. ولا سيطرة
وحول انعكاس السعر النهائي للبناء من تكاليف المواد وأجور عمَّال البناء يؤكد الجلالي أن القيمة تتأثر، وبالتالي السعر يتأثر بالعرض والطلب، إذ تُعد التكلفة أحد العوامل المهمة في تحديد المعروض من العقارات الجديدة، أما الطلب فتحكمه عوامل متعددة منها السعر والدخل والتوقعات، وبسبب التمايُز بين المناطق السكنية في سورية نجد أنَّ عوامل الطلب التي تتعلق بجاذبية المنطقة التنظيمية للسكان تحكُم الأسعار في المناطق الأكثر تنظيماً، بينما تحكم عوامل العرض والتكلفة الأسعار في المناطق الأبعد عن مراكز المدن أو الأقل تنظيماً، وحتَّى يتم الاقتراب بشكلٍ أكبر بين التكاليف والأسعار لا بُدَّ من تخفيف التمايز بين المناطق السكنية والتركيز على التنظيم والتخطيط العمراني الذي يسهم بشكلٍ كبير في تخفيف الفروق، وبالتالي في جعل الأسعار خاضعة لعوامل العرض وبالتالي للتكاليف بشكلٍ أكبر.
وعن الأسباب وراء عدم سيطرة الجهات الحكومية على أسعار العقارات وعن وجود جهة مسؤولة عن الموضوع، يجيب: بأنه نظريَّاً، حتَّى تسيطر الحكومة على أسعار العقارات فيمكن أن يتم هذا عبر أحد أسلوبين، الأول، أن تقوم الحكومة ومن موازنتها العامة بتشييد العقارات وامتلاكها بصورة كاملة، وهذا الأسلوب مستبعدٌ اليوم وغير واقعي لاعتبارات وأسباب أصبحت معروفة للجميع، والأسلوب الثاني هو التدخُّل في الأسواق وفرض الأسعار، ومن التجربة العالمية والخبرات الاقتصادية في ممارسات تقنين الأسعار فإنَّ هذا الإجراء يفشل إذا لم تعكس الأسعار قوى العرض والطلب، وبالتالي يؤدِّي إلى نشوء سوق سوداء وعمليات بيع بأسعار حقيقية تخالف الأسعار الظاهرية أو المفروضة.
وعن واقع الأسعار المرتفعة في بعض المناطق في المدينة ذاتها دوناً عن غيرها مثل المالكي وأبو رمانة والمزة، يقول: إن هذه الأسعار المرتفعة نسبياً تعكس جاذبية هذه المناطق وعدم التوسع وبطء إجراءات إعداد مخططات تنظيمية تجعل من مناطق أخرى منافسة لهذه المناطق، وبالتالي تخفض من الأسعار بشكلٍ عام.
القانون عامل مهم في الأسعار
وعن إمكانية أن تكون القيود على رخص البناء بمنع الترخيص لأبنية برجية السبب في ارتفاع أسعار العقارات، يرى الجلالي أنَّ موضوع التنظيم والتخطيط العمراني هو أحد العوامل الأساسية في التحكُّم في أسعار العقارات في سورية، وفي التبايُن الكبير فيها، وهذا أمرٌ واضح، وما من شك أنَّ بذل جهودٍ أكبر في هذا المجال سيسهم في أن تصبح الأسعار أكثر قرباً من التكاليف الحدِّية لها.
وأعقب حول الاستفسار عن إذا كان هناك تجربة أو رؤية مطبَّقة في إحدى الدول يمكن الاستعانة بها، بأن سورية تعاني موضوع العقارات كغيرها من الدول العربية والدول النامية ومن مشكلة السكن العشوائي والسكن غير المنظم ومخالفات البناء، ولا يمكن النظر في حل مشكلة ارتفاع أسعار العقارات من دون رؤية شاملة لهذا الملف الشائك الذي ينطوي على أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية، مضيفاً: قامت الحكومة برأيي بجهود كبيرة في هذا المجال من خلال التشريعات التي تنظم موضوع التخطيط التنظيمي وإحداث هيئات ومؤسسات معنية بالتمويل والاستثمار العقاري، وهذه التشريعات بحاجة إلى إعادة نظر حالياً لتعكس التطورات في الظروف الاقتصادية التي تمر بها سورية.
حلول منظورة
وتابع: أرى شخصياً أنَّ مشكلة توفير العقارات أو السكن بسعر مناسب تكمن في عنصرين، هما التنظيم العمراني والتمويل العقاري، وهذان العنصران مترابطان، وبالتالي لضمان حصول التمويل والاستثمار العقاري لا بُدَّ من منح المرونة اللازمة للمطورين العقاريين في اقتراح المخططات التنظيمية التي تناسب ما يرون أنَّه يخدم خططهم التسويقية، وهناك تجارُب عديدة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها، كما هو الحال في مصر مثلاً.
وأكد على اختلاف الأسواق لدى معرض السؤال عن عدم انخفاض الأسعار أسوةً بدول الجوار كلبنان التي انخفضت أسعار العقارات فيها بنسبة كبيرة، وذلك رغم حالة الركود وضعف القوة الشرائية وانخفاض الدخول، وإن السوق اللبناني يختلف عن السوق السوري للعقارات، حيث إنَّ العقارات في لبنان تتأثَّر بشكلٍ أكبر بالسياحة، وبالعوامل الخارجية، أمَّا سبب عدم انخفاض أسعار العقارات في سورية، فهذا السؤال ينطوي على مشكلة، لأنَّه يتضمن نتيجة، حيث إنَّهُ وكما ذكرتُ سابقاً فإنَّ سوق العقارات ليست سوقاً واحدة، والأسعار تختلف بشكلٍ كبير باختلاف المنطقة التنظيمية، وبالتالي لا بُدَّ من دراسة أكثر عمقاً وشمولاً للسوق للوصول إلى استنتاجٍ نهائي حول ارتفاع الأسعار أو انخفاضها.
وإذا اقتصر السؤال على العقارات المنظَّمة أو العقارات في المناطق الأكثر تنظيماً فإنَّ أسعارها ستبقى مرتفعة وأعلى من التكاليف بشكلٍ ملموس ما لم يتم التوسُّع في المناطق المنظمة المشابهة التي تنطوي على عوامل الجذب نفسها.