كلام في الاقتصاد

الرهان؟

| عامر إلياس شهدا

اجتمعوا قرروا ورفضوا وبشكل قاطع قرار ربط الاستيراد بالتصدير وإعادة قطع التصدير وهو الذي لا يزال قيد الدراسة، فكان تصريحهم بعد الاجتماع يتصف بالحاد حاملاً بين سطوره نوعاً من التحدي البعيد كل البعد عن منطق الحوار الشفاف.
فالرفض أتى من جانب من يدافعون عن مصالحهم، متجاهلين أهمية سماع وجهة نظر الجانب الآخر التي توضح الصورة الشاملة للوضع الاقتصادي والنقدي وما يجب علينا القيام به لتحقيق مصلحة اقتصاد وطن ولقمة عيش مجتمع، أتى الرفض القاطع الواضح بتصريحهم مشفوعاً بمبررات تفتقر للعقلانية ومتناقضة. حيث أشارت إلى عدم توافر أقنية مصرفية، وأن تحصيل قيمة البضائع يلزمه مدة طويلة، وبالوقت نفسه أشار التصريح إلى أن تمويل الصادرات يتم عن طريق قروض وتسهيلات مصرفية!.

من خلال هذه المبررات يستشف القارئ بسهولة أن مركزية القضية تتعلق بتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير، وأن الهدف من الاجتماع وما تلاه من تصريح إنما يهدف إلى خلق المعوقات قبل الانتهاء من دراسة القرار، وكأن الموضوع يخضع للقواعد الاستباقية وقطع الطريق، إنه أسلوب غريب يظهر على السطح وله مؤشراته المرفوضة قطعاً، وخصوصاً في الوقت الراهن.
ستتوقفون عن التصدير وهذا ما أتى بتصريحكم، عجباً هل تصدرون إنتاج من يدرسون القرار أم تصدرون إنتاجكم؟ على ماذا تراهنون؟ نعتقد جازمين أن أي قرار يحقق مصالح الدولة والمجتمع سيتخذ، وبغض النظر عن الطروحات، فالرؤية واضحة لأصحاب القرار والمجتمع، إلا أنه تم تغييبها في اجتماعهم، لذلك أتت نتائجه مفتقرة لرؤية أدت إلى استبعاد الأولويات وهذا ما وضحته المبررات المطروحة والرفض المسبق للقرار.

نعتقد أن الرهان على نجاح قرار ما، يأتي من خلال نجاح العلاقة والتفاهمات بين الحكومة ورجال الأعمال والمجتمع من دون أن يكون هناك أي فصل بين عناصر هذا الثالوث، فالمصالح مشتركة ونتائجها يجب أن تطول الجميع من دون استثناء. إلا أن ما أتى عليه التصريح الذي عبر عن نتائج الاجتماع يشير بوضوح إلى تجاهل الواقع الذي يعيشه الاقتصاد السوري والناتج عن استغلال البعض للأزمة التي حققت لهذا البعض الثراء على حساب إفقار المجتمع حتى وصل الأمر بهذا المجتمع إلى أن فقره لم يعد قادراً على تحريك الاقتصاد، ما يستدعي الأمر عملية تدوير للزوايا بشكل كامل للتخطيط الاقتصادي والنقدي والمالي بتشعباته كافة، وهذه العملية تخلق مسؤوليات وآلاماً يفترض أن يتحملها الجميع، بعيداً عن التفكير بالمصالح الذاتية والطروحات المحملة بالمفارقات كالادعاء بعدم وجود أقنية مصرفية؟ وهذا يثير الاستغراب فالأقنية المصرفية نستطيع خلقها عندما نريد الاستيراد ونطالب بها في حالة التصدير مفارقة غريبة! يتبعها قضية تحصيل قيمة البضائع التي كما صرحوا يلزمها وقت لتحصيلها!
بهذه الحالة نتمنى التوفيق للمعنيين عن الأمر في تحصيل مليارات الدولارات التي تم الإعلان عنها بأنها ناتجة عن التصدير خلال أشهر، فتحصيل هذه المليارات يستوجب عقد اجتماع من المعنيين عن التصدير لتحليل انعكاسات مبلغ كهذا على الناتج المحلي، وحينها يتم رفض أو قبول القرار استناداً إلى نتائج هذا التحليل وانعكاساته على نسبة مساهمة التصدير بالناتج المحلي. وهذه العملية يجب أن تسبق ما جاء بالتصريح من اعتراف بقيام المصارف بتمويل التصدير عن طريق القروض والتسهيلات، وبالجهة المقابلة غيب التصريح دعم شحن الصادرات الجوي والبري لتلافي الخوض بمبرراته استناداً للنتائج التي يحققها التصدير على مستوى الاقتصاد الكلي وانعكاساته على سعر الصرف والقوة الشرائية لليرة السورية؟ تفاوت عجيب تمويل ودعم يحقق مصالح القائمين إلا أنهم يرفضون التعاون لبناء اقتصاد يخلق الإمكانية للفقراء لدفع عجلة الإنتاج.

أسلوب يهدف إلى طمس الحقائق، فالحكومة ملزمة بواجباتها إلا أن حقوقها يمكن اللعب على تغييبها. بل أكثر من ذلك فهناك مؤشرات توضح العمل على تغييب دور المصارف وعلى رأسها المركزي كمراقب لكتلة النقد، وكممول لعمليات الاستيراد، ما يوضح إرادة البعض بأن تكون المصارف بعيدة كل البعد من عمليات الاستيراد والتصدير وبعيدة عن سوق القطع وأسعاره، أي خلق حالة من الفلتان النقدي تتحكم به مجموعة صغيرة جداً من المجتمع لتحقيق مصالحها الذاتية على حساب فقراء المجتمع. نعتقد أمام ما هو ملموس أن رهان البعض خاسر إذا ما تمت مقارنته برهان ما سيأتي عليه قرار تنظيم تعهد إعادة قطع التصدير.

وبناء عليه نعتقد أن الهدف من قرار ربط الاستيراد بالتصدير واضح فهو يتعلق بإصلاح نقدي واقتصادي لمكافحة التضخم بإطار تعاون وتشاركية بين الخاص والعام لبلوغ الهدف. لذلك ليس من مصلحة أحد الاعتراض أو تجاهل أهمية ترميم الاحتياطي من القطع الأجنبي، وتمكين المصارف من تمويل المستوردات بإطار رقابة مصرفية محكمة تحقق مصالح الجميع. فما دامت النتائج تحقق مصلحة عامة للاقتصاد والمجتمع، فالمطلوب التعاون بإطار التشاركية في دراسة أي قرار وعدم التسرع في إصدار الأحكام على قرار لم ير النور بعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى