المواطن من أزمة إلى أخرى!! .. ووزراء يتحدثون عن الإعجاز في الإنجاز!! – العكام: بعض إدارات الحكومة لم تكن شفافة بما يكفي لوضع مجلس الشعب بحقيقة الأزمات
علي نزار الآغا
فازت إحدى شركات التكنولوجيا بعقد قیمته ملیون دولار أميركي من أجل تصميم جهاز استشعار یمكنه رصد الملوثات بتركیزات متدنیة تحت الماء، وكانت هذه المهمة غایة في التعقید، لذا شكلت الشركة فریقاً من مصممي الرقائق الصغرى، وبدؤوا بتبادل الأفكار.
بعد حوالي 45 دقیقة من أول جلسة عمل، دخل أحد أعضاء الفريق وهو عالم أحياء بحرية یحمل كیساً من المحار ووضعه على الطاولة، ورداً على النظرات المتسائلة لمصممي الرقائق، أوضح أن المحار یمكنه اكتشاف الملوثات في أجزاء قلیلة فقط في المليون، وعندما یحدث ذلك، فإنه یفتح أصدافه.
وكما اتضح فیما بعد، لم تكن هناك حاجة إلى شريحة متطورة للكشف عن الملوثات، وإنما مجرد شريحة بسیطة يمكنها تنبیه النظام إلى فتح المحار أصدافه؛ لا تتجاوز قيمتها ألف دولار، وبالتالي تم توفير 999 ألف دولار من العقد.
وردت هذه القصة في مقال نشر منذ أيام على موقع مجلة «هارفارد بزنس ريفيو»، يتحدث عن أنماط الابتكار، بيّن أنه عند مواجهة مشكلات صعبة، غالباً ما يساعد في حلها توسيع مجالات المهارات المشاركة في الحلّ، وعدم الاكتفاء بمتخصصين في حقل واحد، إذ يعتقد الكثيرون أن هذا النوع من التوليفات غير المحتملة هو مفتاح لتحقيق الاختراقات، مستشهداً بدراسة حلّلت 17,9 ملیون ورقة بحثية، كانت نتيجتها أن الأبحاث الحاصلة على أعلى قدر من الاستشهادات تمیل إلى أن یكون معظمها راسخاً في حقل تقلیدي، مع بعض البصیرة من مجال غیر تقلیدي.
تقودنا هذه المطالعة السريعة إلى مشكلة معقدة ومتراكبة من عدة أزمات تتكرر كل عام من 9 سنوات في سورية، من دون أي حلول تحدّ من عدم تكرارها، ولعل أبرزها؛ أزمات سعر الصرف، المشتقات النفطية، والكهرباء.
السمات البارزة لتلك الأزمات المتكررة، التي أصبحت معروفة للقاصي والداني؛ نقص توريدات المشتقات النفطية، وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وزيادة فترات تقنين الكهرباء، خاصة خلال الشتاء، وسط حالة عامة من الاعتراض على تلك الأزمات، تواجهه الحكومة غالباً برفع شعار «الحرب وراء كل تلك الأزمات»، علماً بأنها تكرّر آليات المعالجة نفسها؛ مسحوبة الابتكار، وتطلب نتائج مختلفة!
يفسّر علماء الأعصاب المتخصصون بالقرارات تلك السلوكيات (التسويف، خلق الأعذار، عدم الابتكار.. وما شابه ذلك من سلوكيات سلبية) بسيطرة ما يسمى تكتيكات «دماغ السحلية» على السلوك الإداري، المقاومة للابتكار والتطور، وهذا ما يجب مقاومته عبر نماذج إدارة فعّالة لا تتقن التبرير.
علمياً، وعملياً، يرتبط مفهوم الابتكار بالمشكلات، فحلّ أي مشكلة يقتضي ابتكاراً، علماً بأي تكرار آليات المعالجة نفسها (حلول من داخل الصندوق- تقليدية) يفقد الابتكار جوهره، وتصبح نتائج المعالجة غير مضمونة.
غريغ سياتل خلال بحثه في كتابه «رسم خارطة الابتكار» وجد أن كل إستراتيجية ابتكار تفشل في نهاية المطاف، لأن الابتكار في جوهره يتعلق بحلّ المشكلات، وعدد طرق الابتكار يوازي عدد أنواع المشكلات التي تحتاج إلى حلول، ولا يوجد طريق «حقيقي» واحد يقود إلى الابتكار.
ومع ذلك، غالباً ما تتصرف الشركات –والحكومات أيضاَ- كما لو أن هذا الطريق موجود بالفعل، فيتم التقيد بنوع واحد من الإستراتيجيات، واعتبارها الطريق لابتكار الحلول!
قد ينجح ذلك الأمر –للشركات والحكومات- لفترة من الوقت، ثم يصلون إلى طريق مسدود، ويجدون أنفسهم محبوسين في مجموعة من الحلول التي لا تناسب المشكلات التي يحتاجون إلى حلها.
ينطبق ذلك الأمر حرفياً على أسلوب الإدارة لدى الحكومات المتعاقبة خلال الحرب، ومع استمرار الحالة دون تغيير جذري، سوف نكون على موعد مع أزمة سعر صرف ومشتقات نفطية وكهرباء كل عام، أو قد نلحظ انتقال الأزمة إلى مواد وخدمات أخرى.
أكبر من حرب اقتصادية
إن تجاهل أثر الحرب فيه مجافاة كاملة للحقيقة، كما أن المبالغة في أثرها عبر وضعنا بصورة انعدام الحلول، أمر مجافٍ للحقيقة أيضاً، ويجعل الإدارات الحكومية بلا أهمية، بل يحولها إلى مبذّر لأموال الشعب، مادامت هي غير قادرة على معالجة المشكلات، ولا جيد سوى التلويح بظروف الحرب، وكأن ظروف السلم ممكن أن تكون أفضل بكثير في ظل منظومة المجتمع الدولي وخريطة الصراع على المصالح فيه.
بداية مواجهة تداعيات الحرب، يقتضي توصيفها بشكل واقعي، فالنظر إلى الحرب من زاوية «الحرب الاقتصادية» فقط يمكن أن يكون منقوصاً، نظراً لأن الواقع أكبر من مجرد حرب اقتصادية، وينطبق عليه ما أصبح يسمى «الحرب الهجينة».
توصف الحرب الهجينة بأنها الاستخدام المتزامن لمجموعة من أدوات وعناصر القوة المصمّمة خصيصاً لاستهداف المجتمعات والسياسات العامة، عبر نقاط الضعف فيها، لخلق تأثيرات متآزرة، وصولاً للهدف المعلن للحرب.
تستخدم الحرب الهجينة خمس وسائل قوة بشكل متزامن، تضم؛ وسائل القوة العسكرية، السياسية، الاقتصادية، المدنية، المعلوماتية.
يتم التصعيد في الحرب الهجينة عبر محورين، أفقي؛ من خلال الاستخدام المتزامن لوسائل القوة، بشكل كامل، أو انتقائي، ومحور عمودي، يتم فيه التصعيد بدرجة استخدام القوة ضمن كل وسيلة قوة مطبقة.
ذكرت ورقة بحثية لمركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» بعنوان: «الاقتصاد والحرب الهجينة في سورية: لعبة محاور التصعيد» أنه في نهاية شهر تشرين الثاني من عام 2018، بدأت الحكومة السورية تنتبه إلى تغير محاور التصعيد في الحرب الهجينة، لتأخذ شكل الحرب الاقتصادية، وبرز هذا الأمر بشدة مع بداية عام 2019، حينما بدأ توريد الموارد الرئيسة، وبخاصّةً المشتقات النفطية، بالتراجع الحادّ، وفرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات أحادية الجانب على رجال أعمال سوريين يعملون في مجال البناء والتجارة، وبرز الحديث عن مشروع قانون «قيصر» الأميركي لفرض عقوبات موسَّعة على كل من يتعامل سياسياً واقتصادياً مع سورية، الأمر الذي ولّد حالة استياء لدى الشَّارع السوريّ، كان مسرحها صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ، لصعوبة تقبل العودة إلى الظروف المرافقة لذروة الحرب، بعد التنعّم بتحسن كبير في مستويات الأمان والخدمات والاستقرار النسبيّ في سعر الصّرف والأسعار لأكثر من عام ونصف العام.
أمام هذا الواقع، لم تتغير طريقة تعاطي الحكومة مع مستجدات الحرب، وترافق ذلك بضعف الخطاب الحكومي، ذلك بتجاهل الأسباب الحقيقة لما وصلنا إليه، أو تسويق الأسباب الحقيقية بطريقة استفزازية، ما أسهم في تعزيز حالة انخفاض الثقة بين المواطن وحكومته، وهذا يعني زيادة في حساسية نقاط الضعف في السياسات العامة والمجتمع، إلى جانب الفساد وغياب نسبي للعدالة في توزيع أعباء المرحلة، وهذا ما يعطي تأثيراً أكبر للتصعيد في المحورين الاقتصادي، والمعلوماتي (وخاصّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي).
صدى الشعب!
عضو مجلس الشعب والحقوقي الدكتور محمد خير العكام علّق على موضوع تكرار الأزمات منذ بداية الحرب، من دون حلول ناجعة من الإدارات الحكومية بالقول: «في الأحوال العادية يجب ألا تحدث أزمات إلا إذا كانت الإدارات الحكومية غير ناجحة في تنفيذ مهامها».
ولفت إلى أن علم إدارة الأزمات يساعد في التنبؤ بحدوث الأزمات، ويقول بضرورة أن تتنبأ الإدارات الناجحة بحدوث الأزمات، وتتوقى حدوثها بمجموعة من الإجراءات المحددة، ومن ثم يوفر خيارات لإجراءات تمكّن من تجاوز الأزمات، كما هو الحال في مادة القمح، ففي الأحوال العادية، تتباين نسب الإنتاج من سنة إلى أخرى نتيجة الأحوال الجوية، لذا تخطط الحكومة لاستيراد الفرق بين كميات الإنتاج والاستهلاك.
أما في الأحوال الاستثنائية كالحروب والأزمات، فإن أزمات تأمين المواد والسلع الأساسية للمواطنين يمكن حدوثها، بشكل متواتر، لذلك يجب على الحكومة أن تضع الإجراءات اللازمة لتجاوز هذه الاختناقات والأزمات، بمعنى أن الإدارة الحكومية بحاجة لأن تكون أكثر فاعلية لتتكيف مع الظروف التي فرضتها الحرب، وتضع حلولاً آنية لتجاوز هذه الأزمات، وحلولاً بعيدة المدى لعدم تكرارها، وهذا ما لم يحدث في سورية خلال سنوات الحرب، فالأزمات بحالة تكرار دائم، ولأسباب مشابهة، وهذا يدلّ على ضعف الإدارة الحكومية فيما يتعلق بوضع الحلول المناسبة، «مع كل التقدير للجهود المبذولة، وأخذنا في الحسبان ظروف الحرب القاسية».
وأضاف العكام: «أدت الحرب إلى تدني مستوى الإدارة في سورية، وساهم في ذلك بشكل رئيس هجرة الكفاءات الموجودة في الإدارات الحكومة، وتدني مستوى الأجور، فهذا يقلل الحافز لدى موظفي الإدارات الحكومية على وضع حلول خلاقة لهذه الأزمات، بل على العكس، فإن هذا الواقع يسوغ للبعض استغلال تلك الأزمات لمصلحته الشخصية، بما يعمّق من الأزمات».
وتابع: «لا نتمنى أن تتكرر هذه الأزمات، ولكن الواقع يشير إلى أنه مادامت حالة الحرب مستمرة، والإدارة على ما هي عليه، فإن الأزمات قد تتكرر، وإن لم تكن بالمواد نفسها فبمواد أخرى مهمة للمواطنين».
العكام، وهو المشارك في لجان حكومية لعل أبرزها المسؤولة عن وضع نظام ضريبي جديد، رأى أن الواقع السياسي في سورية مرتبط بالاقتصادي والاجتماعي، منوهاً بأن القيادة في سورية تبذل كل ما في وسعها لعدم تكرار الأزمات، ولكن مفتاح أي حلّ إداري في سورية هو في رفع مستوى الأجور بشكل عام، وتطوير الهياكل الإدارية، وتكثيف الأعمال الرقابية على إدارات الحكومة، وخاصة المتعلقة بالأزمات الحالية كالكهرباء والمشتقات النفطية.. وغيرها من المواد الأساسية.
وعن دور مجلس الشعب في مراقبة أداء الحكومة ومطالبتها بمعالجة تلك الأزمات وعدم تكرارها، قال العكام: «مجلس الشعب هو صدى الشعب، وبالتالي كان دائماً يضع عبر مساءلته للوزراء المعنيين بتلك الأزمات؛ الكثير من المقترحات والحلول، ولكن يبدو أن بعض إدارات الحكومة لم تكن شفافة بما يكفي لوضع المجلس بحقيقة الأمور، وبالتالي المواطنون، لذلك نرى حالنا أحياناً أمام أزمة مفاجئة للمواطن ولأعضاء مجلس الشعب، ولكن ليست مفاجئة للحكومة».
وأضاف: «إن مجلس الشعب هو إحدى السلطات في سورية، ويجب أن يمارس دوره الرقابي على أعمال الحكومة كي لا تتكرر تلك الأزمات، ولكن لا أعتقد أنه قصر أعضاؤه في طرح تلك الأزمات تحت القبة، ومساءلة الوزراء، والضغط على الحكومة لإيجاد الحلول لكل أزمة على حدة، ومع ذلك، فلن أبرئ نفسي وزملائي، إذ يجب أن نعمل أكثر لنكون صدى حقيقياً للمواطن».
ولدى سؤاله عن أسباب عدم عمل الحكومة بالمقترحات المقدمة من أعضاء المجلس قال العكام: «هذا السؤال يجب أن يوجه للحكومة، لعدم الأخذ بالحسبان مقترحات مجلس الشعب».
وأضاف: «علينا أن نميّز متى يكون مجلس الشعب والحكومة في حالة تكامل، فحالة التكامل هذه يجب أن تكون فيما يتعلق بالثوابت الوطنية، وعندما يكون الوطن هو المستهدف المباشر، أما عندما نتكلم على مستوى الخدمات وتطوير مستواها أي في مسائل خدمية بحتة، فنحن لسنا في حالة تكامل مع الحكومة، بل نحن جهة رقابية على أعمال الحكومة وأدائها، ونحن جهة ضمن لها الدستور الرقابة على أعمال الحكومة ومساءلتها على تقصيرها في واجباتها، عبر السؤال والاستجواب وحجب الثقة».
وعن دور طريقة إجراء العقود الشائعة خلال الحرب لتأمين المتطلبات الأساسية؛ في تتالي الأزمات وتكرارها، قال العكام: «هناك جدل بطريقة إجراء العقود أيهما أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة، هل المناقصة أم العقود بالتراضي، ففي الأحوال العادية المناقصة هي الأكثر تحقيقاً للعدالة، ولكن في الأحوال التي نعيشها إذا صدقت النيات فإن التراضي هو الأسرع لتأمين السلع الأساسية للمواطنين، وخاصة في ظل الإجراءات القسرية أحادية الجانب المتخذة ضد الحكومة والكثير من تجار القطاع الخاص أيضاً هم طرفاً في تلك العقوبات، مع تأكيد الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الإطار».
وختم بالقول: «أعتقد أنه خلال ظروف الحرب اضطرت الحكومة أحياناً إلى اللجوء لعقود التراضي من أجل تأمين احتياجات الأساسية الضرورية للمواطنين في ظل ظروف الحرب، إلا أننا نتمنى تعديل قانون العقود بشكل عام ليكون أكثر تكيّفاً مع الواقع، علماً بأنه يمكن أن ينتج عن تلك الطرق في تأمين الاحتياجات الأساسية فساد هنا وهناك ولابد من محاسبة الفاسدين».
أزمة إدارة
أحد الخبراء الذين اطّلعوا على عمل الحكومة عن قرب رأى أن الوقوع المتكرر في الأزمات يعني أن هناك أزمة في إدارة الأزمات، «آثارها السلبية أكبر من الأزمات ذاتها، ولا يمكن للإدارات الحكومية المتعاقبة أن تتخلى عن مسؤوليتها وتتلطى وراء حالة الحرب والحصار، فالأمر المتوقع حدوثه –الأزمات المتكررة- لم يعد يعتبر استثنائياً أو قاهراً، فلا بدّ من اجتراح الحلول والعمل على استمرار سير المرافق العامة التي تمثل حسن سير الدولة بشكل عام».
وأضاف: «كل ذلك لا بدَّ أن يتم في إطار التخطيط القصير أو المتوسط الأجل، فإذا كانت الأزمات المتكررة تتمحور حول أزمة المشتقات النفطية وسعر الصرف والكهرباء، فقد تكون الحلول في ضوء الرؤية العامة للحكومة من خلال إعطاء الأولوية في رصد الاعتمادات لتحقيق هذه الأغراض، فما الفائدة من رصد اعتمادات لمشاريع استثمارية طويلة الأمد، على حين إن هناك عدم إمكانية لتأمين مواد أساسية كالمشتقات النفطية، لذا، لا بدّ من ترشيد وتوجيه الإنفاق العام وفق الأولويات الأساسية، ما يؤدي إلى توفير الجزء الأكثر أهمية من الخدمات للمواطنين».
ورأى الخبير الذي أصرّ على عدم ذكر اسمه، بأن ذلك قد يكون أحد الحلول الإسعافية، «ولكن لا يمكن الركون إليها لفترات طويلة، إذ هناك حلول أخرى تتمثل في استمرار تأمين موارد وإيرادات فقدت بسبب الحرب الإرهابية على سورية، وإعادتها إلى الدولة، على جانب تعميق العلاقات الاقتصادية الخارجية، ولاسيما مع الدول الصديقة، ولا ننسى أيضاً ضرورة تشجيع مساهمة رؤوس الأموال الخاصة الداخلية والخارجية في خدمة تخفيف حدة الأزمات».
إذاً، ينتقل الحديث من تكرار الأزمات المعيشية «المزمنة» إلى أزمة الإدارات الحكومية، التي تمثل لبّ المشكلة في تكرار الأزمات، مع الأخذ في الحسبان ظروف الحرب، والجهود المبذولة، إلا أن المطلوب هو أكثر من ذلك بكثير، ومن الأفكار التي قد تساعد في ذلك، فتح باب المنافسة في العقود الخاصة بتأمين الاحتياجات الرئيسة، وتسهيل أقنية التمويل، ومحاسبة من ينكل بتأمين العقود، وتوريط الحكومة بالسعي السريع لتأمين بديل مهما كلف الأمر للحدّ من الأزمات.
مصفوفة الابتكار
صحيح أن تركيبة كل أزمة (سعر الصرف، الكهرباء، المشتقات النفطية) تختلف عن الأخرى، إلا أن القاسم المشترك لها هو أسلوب الإدارة، إذ يتم تحديد المشكلة (الأزمة) بدقة، من غير معرفة المهارات المطلوبة لمعالجتها، أو معرفتها وعدم استخدامها، لسبب أو لآخر، وهنا يمكن الإضاءة على بعض أنماط الابتكار التي قد تكون مفيدة في هذه الحال.
تحتاج الإدارة الحكومية إلى البدء بالتعامل مع الابتكار لحلّ المشكلات المتكررة مثلما يتم التعامل مع التخصصات الأخرى في عالم الإدارة والأعمال، أي بصفته مجموعة من الأدوات المصمّمة لتحقيق أهداف محددة، تماماً كما لا تعتمد على أٍسلوب تسويقي واحد أو مصدر وحيد للتمويل، بمعنى أنها بحاجة لتصميم إستراتيجيات ابتكار لمهام محددة.
من هذا المنطق صمّم غريغ سياتل «مصفوفة الابتكار» لمساعدة القادة على تحديد النوع الصائب من الإستراتيجية لحل مشكلة ما، وذلك بطرح سؤالين: بأي قدر من الدقة يمكن تحديد المشكلة؟ وبأي قدر من الدقة تحديد مجالات المهارات اللازمة لحلها؟
وبحسب الموقع العربي لمجلة «هارفارد بزنس ريفيو»، تتميز المشكلات في نمط الابتكار المستدام بأنها محددة بشكل دقيق، إضافة لمعرفة المهارات المطلوبة لحلها، وبالنسبة لهذه الأنواع من المشكلات قد تكون الإستراتيجيات التقليدية مثل خرائط الطرق الإستراتيجية ومختبرات التطوير والبحث، لكن يمكن لطرق «التفكير التصميمي» أن تكون مفيدة للغاية، إذا فهمت جيداً كلاً من المشكلة والمهارات اللازمة لحلها.
وبحسب موقع «Entrepreneur» العربي، فإن المقصود بمصطلح التفكير التصميمي «منهجية معينة للتفكير، تساعدك على دراسة الوضع بشكل أفضل لتتعرف على المشكلات الموجودة، وتستطيع وضع حلول مناسبة لها».
ويمر التفكير التصميمي بخمس مراحل، منها ما يسمى «التقمص» بمعنى أن «تضع نفسك مكان المستخدم الذي تريد استهدافه وحاول أن تتخيل انطباعاته، فكلما زادت قدرتك على التخيّل فستصل لنتائج أفضل».
وهناك مرحلة التفكير بإبداع، بمعنى أنه «وقت العصف الذهني، فبعد أن حددت المشكلة، ستفكر في كيفية حلها، والأفضل دائماً أن يتم العصف الذهني في مجموعات لتطوير الأفكار معاً، لا تستبعد أي فكرة في هذه المرحلة مهما بدت بسيطة أو غير قابلة للتنفيذ، فليس هذا وقت الحكم على الأفكار، بل سجل كل ما يأتي إلى ذهنك في إطار المشكلة نفسها ، فالهدف كمّي وليس كيفياً، أي اعملْ على الخروج بأكبر عدد ممكن من الأفكار، وشجّع الأفكار غير التقليدية.. حاول ربط الأشياء ببعضها، ولا تفكر في كل جزء وحده».
في نمط الابتكار المذهل، يتم مواجهة مشكلة محددة تماماً، لكن حلها يبدو مستعصياً، في مثل هذه الحالات، تكون الحاجة لاستكشاف مجالات المهارات غير التقليدية، مثل إضافة عالم أحياء بحرية لفريق مصممي الشرائح الصغرى في المثال المذكور بداية المقال، ويمكن أن تكون إستراتيجيات الابتكار المفتوح فعّالة للغاية في هذا الصدد، وهذا ما تحتاجه الإدارات الحكومية الحالية، وخاصة أن نوع هذه المشكلات هو السائد، إذ إن المشكلة محددة بشكل جيد، لكن المهارات المطلوبة للحل غير معروفة، وإن كانت معروفة فهي غير موجودة في الإدارات الحكومية حالياً، على ذلك يمكن تجاهل بقية أنماط الابتكار، لكنها موضحة بشكل مختصر في الرسم البياني السابق.
طبعاً، يندرج كل ما سبق ذكره في هذا المقال ضمن محاولة التنبيه إلى ضرورة تغيير أساليب إدارة الأزمات لدى الحكومة، من باب الحرص على نجاحها في تخطي الأزمات التي تنتج عن تصعيد وسائل القوة في الحرب الهجينة التي تستهدف صمودنا في سورية، ولا يعني التركيز على نقاط الضعف، تجاهل نقاط القوة التي أصبحت جليةً، لكن مهمتنا في الإعلام الإضاءة على نقاط الخلل أملاً في المعالجة, مع التأكيد مجدداً على أن الأزمات تحتاج إلى شفافية في التعاطي معها ووضع المواطن والمستهلك في صورة ما تعانيه الحكومة أو الوزارات من أزمة أو أزمات.
وهذا من شأنه أن يخفف من نتائج الأزمة على الحياة المعيشية عموماً ويحول المواطن إلى شريك في إيجاد الحلول لها.