الحكومة تخسر من الفارق بين السعرين الرسمي والموازي للدولار… والتاجر يربح تيناوي: ليس على المركزي اللحاق بسعر السوق السوداء بل إعادته إلى السعر الرسمي
فادي بك الشريف
فارق كبير بين المركزي والموازي بسعر صرف الدولار بات ثابتاً تقريباً منذ زمن ليس بقليل، هل يمكن للمصرف المركزي أن يفسر للمواطن هذا الفرق لمصلحة من؟! ومن المتضرر؟! ولدينا هذه العناصر الثلاثة: المركزي.. والمواطن.. والتاجر.
وهل يجب على المركزي التفكير بتحريك سعر الدولار، مقابل الأضرار التي تمس المواطن والمركزي نفسه، وهل الإبقاء على سعر المركزي ثابت وأدنى من سعر السوق بفارق كبير هو طرد للراغبين في بيع الدولار للدولة، ويرغمهم على التوجه للسوق السوداء فيقوى تجار هذه السوق، على حين يبقى المركزي ضعيفاً؟
والسؤال الآخر: هل يدرس المركزي جدوى تحديد سعر الدولار وانعكاساته على أسعار المستهلك وعلى أرباحه؟ وخاصة أن سعر الدولار في السوداء تجاوز 570 ليرة خلال الأيام القليلة الماضية مع أن السعر الرسمي يقدر بـ435 ليرة.
حول هذا الموضوع بيّن نقيب المهن والمحاسبة محمد زهير تيناوي في حديث لـ«الاقتصادية» أن هناك آثاراً سلبية كبيرة جداً لهذا الفارق بين السعرين، لأن البضائع والمنتجات الموجودة في السوق المحلية سواء كانت من منتجين أم مستوردين أو بضائع محلية تسعر على السعر المتداول في السوق، وهذا يرهق المواطن، فأي سلعة يختلف سعرها من يوم لآخر، علماً أن التاجر يكون قد استوردها بسعر أقل، أو أنها مخزنة في مستودعات منذ مدة، ولكن التسعير يتم على المتداول الرائج في السوق السوداء.
مضيفاً: لا أتخيل أن للفارق السعري أي إيجابيات، والسلبيات الواضحة يدفعها المواطن ذو الدخل المحدود، حتى تجاوز الأمر بأن باتت هناك سلع ترتفع لا علاقة لها بسعر الصرف، مثل ما قرأت عن 3 مواد مسعرة من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد ارتفع سعرها ومنها بعض المواد الغذائية البسيطة و«السندويش»، فما دخل هذه المواد بسعر الصرف؟!
وقال: إنَّ سعر الصرف يُستغل لرفع سعر المواد فقط، ويفترض على المركزي أن يراقب العملية، كما يفترض ضبط الشركات أو المضاربين غير المرخّصين في التداول للقطع الأجنبي والمتلاعبين بسعر السوق صعوداً وهبوطاً.
ولفت تيناوي إلى أن المصرف التجاري قام بخطوة في سبيل ذلك عبر رفع سعر الفائدة على الودائع بالقطع الأجنبي، ولكن على ما يبدو فقد كانت الودائع خجولة سواء من المصارف الخاصة أو الشركات أو من الأفراد، إلا أن فتح أسواق مضاربة في الخلف يؤثر بشكل مستمر في سعر التداول في السوق السوداء.
مضيفاً: ما يحدث حقيقة أن الدولة تتحمل الفارق بين السعرين لدعم المستورد وإعطائه ما يطلب لتلبية حاجة مستورداته، ولكن تسعير السلع يتم بموجب سعر السوق السوداء، ومن ثم يربح من الحكومة ومن هامش ربح التسعير بسعر السوداء، ويدفع الثمن الحلقة الأضعف في السلسلة وهو محدود الدخل، ويمكن تشبيهها مثل الضرائب المفروضة سواء لزمرة الدخل المقطوع أم الأرباح الحقيقية.
وإن أخذنا زمرة الدخل المقطوع من محال وبقاليات المصنفين وفق الزمرة، فقد تم رفع الضرائب بنحو ثلاثة أو خمسة أضعاف، وهذا انعكس مباشرة على الأسعار، فصاحب المنشأة أو المحل لن يتحمل هذا الفارق الكبير في الضريبة، فعكسها مباشرة على سعر السلعة ودفعها المواطن الذي هو الحلقة الأخيرة وهي الأضعف دائماً.
وأكد تيناوي أنه يجب على المركزي أن يجد طريقة لتخفيض سعر السوق السوداء لا أن يلحق سعر السوق، ويجب أن يقرر السعر المناسب والقيمة الفعلية للقطع ويفرضه للتداول في السوق بشكل رسمي، لأن معايير السوق تعتمد على المضاربة والمضاربة فقط، مضيفاً: طبعاً نتيجة غياب الاستثمارات وارتفاع أسعار العقارات وإحجام المصارف عن تسديد عوائد مجزية للإيداعات والودائع، لجأ الناس لوضع رؤوس أموالهم للمضاربة في القطع، وهو ما يزيد في رفع سعر السوق.
مبينا أن الطلب على المشتقات النفطية أثَّر بشكل أو بآخر، وفتح المجال لبعض الشركات لاستيراد المشتقات النفطية لكسر الحصار الجائر المفروض على سورية، وتمويل المستوردين أيضاً من القطع الأجنبي، وكل هذه العوامل ساهمت بزيادة الطلب، ما أدى لسعر مرتفع، لكن ما يلفت النظر أن الارتفاع غير منطقي، ولا يتوازى مع الطلب، ولا يمكن تصنيف الطلب بأنه شديد، ولا يسوغ ارتفاعاً كهذا.
في السياق اعتبر رئيس قسم الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عدنان سليمان أن الارتفاعات التي طرأت في الدولار ترتبط باشتداد الحصار الاقتصادي، وتحديداً في قطاع حوامل الطاقة، إضافة إلى الطلب الداخلي على القطع الأجنبي تجارياً لتمويل الاستيراد، وخاصة المشتقات النفطية من الدول المجاورة، بدليل تحميل تكلفة النقل البري على ليتر البنزين بقيمة 150 ليرة، وشراء هذه المواد بالقطع الأجنبي.
كما أشار سليمان إلى أن السبب الجوهري «داخلياً» لارتفاع الدولار يتعلق بتعقيد الوضع الاقتصادي والمعيشي، والضغوط الناجمة عن ذلك، التي تظهر عبر حالة القلق العام من أزمة المحروقات، على حين يتمثل السبب الرئيس «خارجياً» بشدة الضغوط والحصار الاقتصادي الأميركي الظالم، كاشفاً عن أن بعض الصحف الأجنبية حمّلت الولايات المتحدة الأميركية نتائج الحصار الاقتصادي على سورية، باعتبار ذلك يولد ضغوطاً غير مريحة تجاه التعامل بالعملة المحلية، الأمر الذي يرفع من حدة التوجه نحو العملات الصعبة، وتحديداً لدى فئات التجار والصناعيين والأثرياء، تحسباً لتغيرات مستقبلية قد تحدث للعملة المحلية تخفّض من قيمتها، منوها بأن هذه الأسباب المذكورة مازالت قائمة.