مرض انفصام الأسعار!! شعيب: نسعّر المواد الممولة ذاتياً ومن المركزي وفقاً للسعر النظامي – عيسى: هناك سعران للصرف وللسلع.. وتسعيرة «التموين» حبر على ورق
حمزة المحمد
بيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق هيثم عيسى أن لمسألة تشكيل السعر في السوق عوامل كثيرة تقع تحت مسؤولية جهات حكومية عديدة، فالمحدد الأول لسعر المواد المستوردة، بعد سعرها بالدولار «هو سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وهو من مسؤولية المصرف المركزي لأنه يعني رفعاً للأسعار في الأسواق، مضيفاً: وعلى المركزي إعادة تقويم دورية لسعر الصرف ليعكس قيمته الاقتصادية الفعلية وبذلك يساهم المصرف في تصحيح الخلل الناتج عن تفاوت الأسعار بالنسبة للسلع والمواد المستوردة بين المصرف المركزي والسوق السوداء.
ولفت عيسى إلى وجود سعرين للصرف، الأول رسمي والثاني السوق السوداء، ما يؤدي إلى وجود سعرين للسلعة ذاتها، والتاجر سيستخدم السعر الذي يحقق له هامش الربح الأكبر، لذلك نشاهد في الأسواق أن السلع تُسعر وفق سعر صرف السوق السوداء حتى لو تم تمويلها بدولار من المصرف المركزي وبالسعر الرسمي الذي هو أقل بكثير من سعر السوق السوداء، وهنا المسؤول عن هذا العامل هو الفريق الاقتصادي في الحكومة وأوله المصرف المركزي.
ورأى عيسى أن هناك دوراً للرقابة على الأسواق من المؤسسات الحكومية المعنية أي مؤسسات وزارة التجارة الداخلية والجمارك في الوصول إلى هذا الواقع، مشبهاً عمل مؤسسات حماية المستهلك في مواجهة التجار ولا سيما الحيتان منهم بقارب شراعي صغير يواجه عاصفة عاتية ومهما كان البحّار شجاعاً فلن يكون منطقياً أن نتوقع منه أن يهزم العاصفة!
وأشار عيسى إلى وجود جانب يتعلق بآلية منح إجازات الاستيراد التي هي في الأغلب محصورة بيد عدد قليل من المستوردين ما يؤدي إلى تحويل الأسواق إلى حالة احتكار وتضعف المنافسة ومن ثم سترتفع الأسعار وتتفاوت كثيراً.
التسعير حبر على ورق
وأشار عيسى إلى أنه من حيث المبدأ ومن الناحية النظرية ما تقوله المصادر الرسمية قد يكون صحيحاً، حيث يتم التسعير على الورق بسعر المصرف المركزي لكن من يضمن أن البيع الفعلي في السوق يتم وفق السعر المدوّن على الورق؟
وعن أساليب التحايل لدى التجار والقفز فوق القانون يقول عيسى: «لدى التجار الكثير من نقاط القوة والحيل التي يستطيعون من خلالها التحايل على الأوراق الرسمية والعمل بخلاف مضمونها، متسائلاً: هل حقاً الجهات الرسمية المعنية لم تلاحظ حتى الآن ولا حالة واحدة تجاوز فيها التاجر السعر المحدد ورقياً؟ هل فعلاً لا توجد ولا مخالفة واحدة وكل التجار ملتزمون 100%؟ مضيفاً: وبفرض أن ذلك صحيح فكيف يتم تسعير السلع في السوق وفقاً لأعلى سعر ممكن للدولار ولجميع السلع المستوردة؟ مقترحاً أن تقدم قائمة تُحدّث دورياً بالسلع التي يتم تمويلها بدولار المصرف المركزي وبالسعر الذي يجب أن تُباع فيه في السوق الداخلية بحيث يمكن للمواطن العادي التأكد من دقة التسعير ومدى الالتزام، وتابع: هل يمكن أن نعرف تقريباً نسبة السلع المستوردة التي يتم تمويلها بدولار المركزي من مجموع السلع المستوردة حتى نستطيع تقدير فعالية سياسة التمويل هذه؟».
السوق للأقوى
ويتابع عيسى: «ليس من المؤكد وجود عملية تسعير مشتركة بين جهات رسمية حكومية والمستوردين أو قد تكون نظرياً، ولكن عموماً نرى منذ فترة طويلة أن السوق للأقوى، بمعنى يحدد حركة السوق وأسعارها وتبدلاتها الفريق الأقوى فيها، واليوم التجار هم الأقوى ومن ثم هم من سيحدد أغلبية عوامل السوق، ويعرف الجميع أن أي شخص يعمل في التجارة سيكون هدفه تحقيق أكبر ربح ممكن وهو لن يفوّت فرصة ربح مؤكدة كُرمى لعين أحد، فالمغزى من القول إن التاجر سيقوم بتسعير سلعه المستوردة وفق السعر الذي يحقق له أكبر ربح وهو سعر دولار السوق السوداء حتى لو كان قد استخدم دولار المصرف المركزي.
مهام كبيرة تقع على عاتق وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فيما يتعلق بتسعير المواد والسلع تحدث عنها معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب قائلاً: يتم موضوع التسعير عبر لجنة موسعة مؤلفة من غرفتي التجارة والصناعة والمصرف المركزي ووزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك إضافة إلى مديرية الجمارك، إذ تدرس اللجنة تكاليف المواد المستوردة وقيمة الضرائب والرسوم التي يدفع عليها، بدءاً من إجازة الاستيراد وصولاً للشحن حتى وصولها للمرافئ السورية ومنها أجور النقل إلى مكان المستودع في ريف دمشق أو دمشق أو حماة أو حمص».
ويضيف شعيب: نأخذ السعر الأساس وهو الذي يحدده المصرف المركزي عبر نشرة الأسعار وهو 434 ل. س للدولار الواحد لمن يتم تمويله من المصرف، منوهاً بوجود أسعار وفقاً للسوق السوداء حيث تجار لا يتم تمويلهم، وبالنهاية يتم إضافة نسبة الربح المحققة مع الصك التسعيري بهذا الموضوع».
وأكد شعيب وجود قرارات ناظمة لهوامش الربح والنسب المعتمدة للتاجر إذ يتم ضبط عملية التسعير بناء على قرار صادر من وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن هوامش الأرباح بناءً على توصية رئاسة مجلس الوزراء بهذا الموضوع مضيفاً: وبهذا نكون قد سعرناها وحددنا نسبة الأرباح بالتنسيق مع غرفة التجارة واتحاد الحرفيين وجمعية حماية المستهلك، للمنتجات كافة ومنها الألبسة والمواد الغذائية».
شعيب: تسعير مكاني للمحافظات
وبيّن شعيب بأنه في عام 2013 وما قبل كانت المواد محررة من دون تسعيرة، ولكن تمت إعادتها نتيجة الأزمة للتسعير منذ عام 2013 بتسعير المواد المستوردة كافة وهناك تسعير مكاني للمحافظات التي تنتج المواد محلياً، مثل الخضر والفواكه والسكاكر والحلويات إذ يتم تسعير كل محافظة على حدة وذلك بإشراف الوزارة التي تصل إليها الصكوك ليتم تدقيقها فإذا كان الصك غير مقنع تتم إعادته وتعاد الدراسة مجدداً.
تمويل ذاتي
ويؤكد شعيب أن عملية التمويل بالقطع الأجنبي لا تشمل المواد الإلكترونية، فالأولوية للمواد الأساسية مثل السكر والرز، أما بقية المواد التي لم تدخل هذه القائمة فهي خارج نطاق التمويل، ويتم تمويلها بشكل ذاتي على حساب التاجر نفسه، وقال: نحن كلجنة لا نطلب من التاجر التقيد بمادة معينة سواء كانت غذائية أو سكراً أو زيوتاً، ويقوم التاجر بحساب التكلفة للمادة بكاملها، ونحن بدورنا نقوم بحساب تكلفة المادة على سعر المصرف المركزي في حال قدم لنا الممول إشعاراً بأنه ممول من المصرف المركزي وهنا يجب أن يتقيد التاجر بالسعر الذي نضعه، وإذا كان غير ممول من المركزي، يتم التسعير بعد حساب التكلفة وفقاً لسعر الصرف الصادر عن المركزي، وفي حال مخالفة التاجر للسعر نعاقبه، مضيفاً: وضعنا هامشاً تقريباً بنسبة 5% نفقات لتغطية بعض النفقات ومنها التنزيل والتحميل، وهي نسبة معتمدة من اللجنة الاقتصادية.