أيهما أفضل الاستجابة للتضخم أم معالجته؟
عامر إلياس شهدا
رفعت وزارة المالية الحدود الدنيا للتسجيل في فئتي كبار ومتوسطي المكلفين بالضرائب إلى عشرة أضعاف، لتصبح نصف مليار للكبار بدلاً من 75 مليوناً و200 مليون للمتوسطين، بدلاً من 20 مليوناً، وبررت وزارة المالية أن ذلك أتى استجابة لحالة التضخم الحاصلة في الاقتصاد والتغيرات الكبيرة بسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار.
نعتقد أن رفع الشرائح بهذا الشكل سيؤدي إلى ارتفاع الضريبة، مادام أتى استجابة لحالة التضخم، إلا أن مثل هذا الإجراء لا يمكن أن يعتمد في هذا الوقت الذي يتطلب معالجة التضخم، وليس الاستجابة له، فمعالجة التضخم تكمن في وضع سياسات نقدية ومالية تؤدي إلى انتعاش اقتصادي، ففي الانتعاش ترتفع معدلات الدخل أولاً، والتي بدورها تؤدي إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك التي تشكل ضغطاً على مستوى الأسعار، وعند هذا الحد يتم تطبيق الضريبة التصاعدية، حيث سيؤدي تطبيقها إلى تقليص مقدار الدخل الممكن إنفاقه على الاستهلاك، ما يخفف من حدة الطلب على المواد الاستهلاكية، وبالتالي يخفف من حدة التضخم, فينعكس ذلك بشكل إيجابي على سعر الصرف.
إن إجراء رفع الحدود الدنيا يشير إلى أن المالية تقوم بحرق المراحل وتغييب الأولويات لتطبيق مثل هذا الإجراء, فعلى المالية وهذه الحالة معالجة نسبة الضريبة أولاً، ففي السنوات السابقة أصبحت نسبة الضريبة نسبة ثابتة، واعتبروا أن هناك عدالة ضريبية, ولكن الواقع مختلف تماماً كيف يتم رفع الحدود الدنيا إلى نصف مليار أمام تدني الدخول وانكماش الاستهلاك, من أين أتى هذا التضخم؟ هل من سعر الصرف أم من ارتفاع عالمي لأسعار المواد الأولية الداخلة بالصناعة، أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلك، ما أدى إلى التضخم؟
إن ثبات نسب الضريبة أمام ارتفاع الأسعار, خلق خللاً حقيقياً ينفي عدالة الضريبة، حيث أصبح أصحاب الدخل المنخفض يدفعون أكثر من ذوي الدخل المرتفع تناسباً مع الدخل, ومؤشر ذلك هو تراجع الكتلة النقدية من الضرائب, ولنوضح ذلك بفرض أن ضريبة المبيعات كانت 4%، فالمعروف أن أصحاب الدخول المتدنية ينفقون معظم دخلهم على المواد الاستهلاكية، وقد تصل نسبة الإنفاق هذه إلى 95% من الدخل، بناء عليه فإن الضريبة التي يدفعونها نسبة من الدخل تكون 95%4%= 3,8%, ولنفرض أن أصحاب الدخل المرتفع ينفقون 60% من دخلهم على المواد الاستهلاكية، ففي هذه الحالة تصبح الضريبة إلى الدخل 60%4% = 2,4%، فأصحاب الدخل المرتفع يدفعون أقل من أصحاب الدخل المنخفض, وهذا أتى نتيجة ثبات نسبة الضريبة أمام التضخم وارتفاع الأسعار.
إن رفع الحدود الدنيا لهذه المستويات أمر فيه مبالغة بوقتنا الحالي, وإن التبرير بأنه أتى استجابة لحالة التضخم إنما يعطي مؤشراً إلى وجود عجز في وضع سياسات مالية ونقدية قادرة على تقليص هذا التضخم, وبالتالي فمثل هذا الطرح يشير إلى عجز في معالجة القوة الشرائية لليرة السورية، يرافقه عجز في تحسين قدرة الدخل على الاستهلاك.
نعتقد أن الوضع الاقتصادي في سورية يلزمه سياسات مالية ونقدية تنفذ بالتوازي، إحداهما تخص رفع الرواتب، والثانية تخص دعم المنتجات الوطنية, فإذا كان البعض يعتقد أن رفع الرواتب سيؤدي إلى زيادة في نسبة التضخم فهذا الاعتقاد خاطئ, فالتضخم الناتج عن زيادة الرواتب له نتائج إيجابية مساعدة على تقليص التضخم عند دوران العجلة الاقتصادية, وهذا الأمر أقل تكلفة من أن يكون التضخم ناتجاً عن عدم تثبيت سعر الصرف, يجب أولاً زيادة الدخل الذي يمنح فرصة للأفراد في تحسين أحوالهم المعيشية، وتمنح المنتجين الفرصة في الاستجابة إلى الزيادة في مستوى الطلب الكلي، وذلك بتحسين وتطوير وسائل وسبل الإنتاج لزيادة الإنتاجية وإحداث توازن في العرض والطلب عند مستويات سعرية متدنية، يرفق ذلك سياسة نقدية توسعية, تتناول محافظ التمويل التي من المفترض أن توجه لدعم المنتج, وتوسيع القاعدة الإنتاجية والحصول على وفورات اقتصادية تسهم أيضاً في تحقيق التوازن السعري المقبول، وبطبيعة الحال فإن رفع القدرة الإنتاجية والتوسع بقاعدة الإنتاج ستؤدي إلى ارتفاع في كميات التصدير التي ستحقق وفورات بالقطع الأجنبي، ستؤدي إلى تمكين المصرف المركزي من تثبيت سعر الصرف وتوفير القطع اللازم لتمويل احتياجات الإنتاج, وهذا الأمر ينتج عنه تقليص التضخم بشكل كبير, وبطبيعة الحال فإن ذلك سيخلق نتائج إيجابية لموارد الخزينة من الضرائب.
نتمنى من القائمين على الوضع المالي والنقدي والاقتصادي عدم انتهاج سياسة الاستجابة للتضخم, ونطالبهم بالعمل على معالجته لإنقاذ الاقتصاد الوطني.