عَ الوتر – ملخص إصلاحي
علي محمود هاشم
مؤخراً، خصصت الحكومة وقتاً لا بأس به لإعادة تلاوة نياتها في (إصلاح القطاع العام).
الجديد في الأمر، أن (حصة) الإصلاح هذه التي امتدت لنحو 3 ساعات، تمّ تخصيصها للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية ذات الأهمية (الافتراضية) البالغة كإحدى أذرع (الأمن الغذائي) الوطني.. كل ما عدا ذلك كان مجرد تنويعات -أقل شأناً- على منوال شعاراتنا العابرة لـ (حصص الإصلاح) المعتادة.
على عكس المرتجى، فرغم حضور طيف موسّع للمعنيين بـ (إصلاح القطاع العام)، وما يفترض أن تتمخّض عنه مثل هذه الاجتماعات من عناوين ونقاشات وأخذ وردّ ونتائج، فقد كانت (الحصّة) نموذجية في هدوئها، بل أقرب إلى مسائيات (التربيت على الأكتاف)، إذ إن أحداً لم يعكر صفو الصمت بطرح عناوين (مفسدة للود) من عيار (التنظيم، الإدارة، العمالة، التكنولوجيا، التسويق، وحقوق الأجيال القادمة) وما إلى ذلك من قضايا شكّلت على الدوام شماعة برأسين متعاكسين يفيدان في التبرّؤ من عقدة الذنب إزاء تقهقر القطاع العام بمختلف فروعه؛ تارة عبر تسويغ إخفاقه للأسباب البديهية إياها، وأخرى عبر حقنه بخلطة إصلاحية سرّية تتناسب جرعتها عكساً مع حدة معاناته من (ضغط الدم الانبساطي) الذي يشوّه علاقته بالأسواق، وتنافر قدراته الكامنة مع دوره الوطني اقتصادياً واجتماعياً.
للحق، ومع بداية الاجتماع، خيِّل للمرء وكأنه مفصل في تاريخ إصلاح (غذائية)، تبعاً لكونها أحد أكثر القطاعات وضوحاً في مدخلاتها ومخرجاتها، وبالتالي أكثر سهولة في ابتداع بنائية إصلاحها، إلا أنّ مجرياته لم تتأخر عن تظهير العجز المستحكم بعدما بدا الفريق الحكومي وكأنه يعلم ما يريد تماماً كما عموم السوريين، إلا أنّ مشكلته ومشكلتنا به، تتلخص بعدم معرفته بكيفية الوصول إلى ما يريد، أو هذا على الأقل ما أوحت به (نظرية الإصلاح) التي تمّ اجتراحها خلال الجلسة بعد تكليف مؤسسة (غذائية) بـ: «إيجاد آليات تنظيمية توضح طرق التشاركية بشكل مبسّط يسهل التعامل معه مع الشركات والأنشطة كافة».
فمن حيث المبدأ، يوحي إلقاء مهمة التنقيب عن آليات التشاركية مع القطاع الخاص على عاتق (مؤسسة صناعية) عامة تعاني سكرات الإغلاق، بعجز الإدارة العليا للقطاع العام عن تقديم إجابات قطعية حيال مسقبله وتموضعه ودوره، وبهبوط حاد في سقف التوقعات المعقودة على عملية (إصلاحه)، بما يؤسس في محصلته للاكتفاء بوجبة الرمق الأخير من بقايا تنويعات (بائتة)، ريثما يتوافر لدينا من قد يتمتع بتصورات أكثر جرأة وموثوقية.
في ملخصها الختامي، انتهت (حصة) إصلاح (مؤسسة غذائية) إلى إفلاس معلن لخططنا التشاركية بإضافة حلقة جديدة إلى السلسلة التبسيطية حول (الحضور الإستراتيجي) المباشر للدولة في مستقبل الاقتصاد الوطني، والتي تسربلت حلقاتها الركيكة منذ اجتراح مساطر (رابحة وحدية وخاسرة)، النتيجة المتوقعة لهذه المقدمات، تشي بنتائج ممجوجة وصلت بالقطاع العام إلى ما هو عليه اليوم.
في معرض نفض الغبار بظاهر اليد عن (التشاركية في القطاع الصناعي)، طالبت الحكومة خلال الاجتماع بالتخلي عن (العقلية القديمة).
سيكون الاقتصاد الوطني سعيداً لو هي أصغت بالفعل إلى ما تقول، فـ (العقلية القديمة) تتضمن بلا شك نظرتنا الفاشلة إلى (حقوق الأجيال القادمة)، إذ يمكن لنا –مثلاً- أن نورثها (حصتها) من الفساد والخسائر الضاربين عميقاً في مؤسساتنا الصناعية بعد تعبئتهما بأكياس زهرية، كتب على شرائطها (حماية القطاع العام).
وفي المقابل، يمكن عتقهم من هذا (الميراث).