إدارة السيولة
عامر إلياس شهدا
تصريح لحاكم مصرف لبنان يقول: إن الدولارات الموجودة في لبنان لا تتأتى من الصادرات ولا من المواد الأولية، بل هي مبنية على حرية التعامل وعلى التحويلات والعمليات المالية التي تتم بين القطاع المصرفي والبنك المركزي، لقد وفرنا قروضاً «مدعومة» للقطاع السكني والإنتاج بقيمة 20 مليار دولار بفوائد بين 5.5 بالمئة و7 بالمئة، فالقروض «المدعومة» هي العنصر الأهم في تطوير الشمول المالي.
نعتقد استناداً إلى ما طرح أعلاه أن الحاكم مسؤول عن بث روح ثقة المجتمع بالسياسة النقدية وبالاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تواصله وشفافيته مع المجتمع ومدى حرصه على تقديم رؤيته لأي متغيرات تحدث على المستوى النقدي، فسياسة الغموض والتغيب تلعبان دوراً كبيراً في عدم ثقة المجتمع بالسياسة النقدية ومن ثم تؤديان إلى تعميق المشكلات التي قد تتعرض لها القوة الشرائية لليرة السورية، فإذا كان المجتمع هو الأساس في تنفيذ السياسات النقدية فكيف سينجح تنفيذه لها وهو بعيد عما يجري بخصوص عملته الوطنية ووضع بلده الاقتصادي، ما يدفعه لطرح تساؤلات أهمها:
لمن ترسم السياسة النقدية إذاً؟ ماذا بعد طرح شهادات الإيداع التي بلغت كتلته النقدية ما ينوف عن 130 مليار ليرة سورية؟ إلى أين ستوجه هذه الكتلة.؟ كيف سيكون لها تأثير في التضخم وأسعار المستهلك وأسعار الصرف؟ ما الموارد التي ستحققها لدفع فوائد تصل إلى حدود ستة مليارات ليرة سورية خلال سنة؟ هل سيعيد المصرف المركزي النظر بنسب الفوائد المدينة والدائنة بعد تحمله جزءاً من تكلفة السيولة؟ هل ستكون الفوائد هي النواة الأساسية في استقطاب الودائع؟ كيف سيتم تحديد فوائد الإقراض بعد أن أجرى المركزي دراسته على تكلفة السيولة في المصارف ووصل إلى نسبة 4.5 بالمئة تمنح كفائدة على شهادات الإيداع معتمداً بحساباته على الوسطي المرجح لتكلفة الأموال، وتم تحديد سعر الخصم بـ 5 بالمئة؟ هل سيعاد النظر بعد اعتماد احتساب الوسطي المرجح لتكلفة الأموال.
في دراسة تكلفة الحصول على السيولة للمقترضين؟ كيف سيتم التأثير في أسعار المستهلك والتضخم وسعر الصرف والقوة الشرائية لليرة السورية؟ ما الرؤية والسيناريوهات الموضوعة لدفع العجلة الاقتصادية وتحريك الأسواق من خلال تفعيل مقومات الإنتاج الصناعي ودفع الصناعات المحلية للإنتاج والتشغيل، وهل أصبحت إعادة رسملة القطاع الخاص ضرورة ملحة؟ هل هناك سيناريو يمكن من خلاله التأثير في الفوائد لتوفير 40 مليار ليرة تم طرحها في الاجتماع مع المستثمرين وهي واردة ببنود الموازنة وقد قسمت إلى قسمين 20 ملياراً لدعم الفوائد، حيث تمنح القروض بفوائد تشجيعية 7 بالمئة و20 مليار ليرة دعماً مباشراً للمنتج؟ ما السياسة التي سيتم اتباعها في ظل ما نتج عن طرح شهادات الإيداع لتحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال التأثير في المتغيرات الأساسية في معادلة التبادل وخاصة كمية النقود؟ كيف ستتم إدارة واستثمار فائض السيولة التي بلغت نسباً عالية تخطت 70 بالمئة وهي تشير إلى تحقيق أهداف القرارين 52 و28، فهما السبب في تشكيل كتلة نقدية ستمكن المعنيين من استخدامها في دفع عجلة الإنتاج والتمكن من اتباع سياسة نقدية توسعية، فلكل زمن أداة تستخدم في السياسة النقدية ولكل أداة أولوياتها بحسب الوضع الاقتصادي للبلد؟
نعتقد الأسئلة تستوجب دراسة الأمور الخاصة المتعلقة بتيار الدخل وتيار الإنفاق أو الطلب في الاقتصاد، حيث إن المتغيرات النقدية «الدخل، الادخار، الاستهلاك، والاستثمار» لها دور رئيس في التحليل الاقتصادي والنقدي، وبناء عليه فإنه من المفترض أن يكون الهدف من السياسة النقدية تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتخفيف من حدة التقلبات التي يتعرض لها الاقتصاد، وذلك بوضع خطط تهتم في تحديد مستوى الإنفاق الكلي الذي يضمن تحقيق أعلى مستوى من التشغيل بأقل قدر من ارتفاع الأسعار، فعلى السلطة النقدية وهذه الحالة اتباع سياسة نقدية مناسبة في ضوء الظروف والأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وهذه الأوضاع باتت محسوسة من خلال انخفاض مستوى الإنتاج وارتفاع نسب البطالة، وتراجع الطلب في الأسواق، وانخفاض الإنتاج، وانخفاض في الدخل، وهذه الأمور تتطلب التحقيق العميق في تكلفة السيولة وإعادة الرسملة وتأثيرها في تكلفة الإنتاج وانعكاسها الإيجابي على الأسعار لتنشيط الاستهلاك، وخلق عامل منافس بالسعر للتصدير، وذلك للوصول إلى تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو.