اقتصاد رمضان – «التموين»: الإنتاج المحلي يغطي 75 بالمئة من حاجة السوق ولا خوف على المخزون الغذائي ولا ارتفاع للأسعار
لماذا يستهلك السوريون في رمضان أكثر من باقي الشهور؟ - الاقتصاد: التجار استوردوا حاجيات رمضان قبل أشهر
سيلفا رزوق
لا شك أن الربط بين شهر رمضان وارتفاع وتيرة الحراك التجاري بات من البديهيات، بحيث لم يعد هذا الشهر مرتبطاً بالروحانيات وحسب، بل ارتبط بالكثير من العادات الاجتماعية والاقتصادية به وبصورة بات من الصعب تغييرها، يكشف عنها حجم الحراك الحاصل في الأسواق قبيل وخلال الأيام الأولى من الشهر الفضيل.
وعلى الرغم من تراجع القوى الشرائية للسوريين خلال الآونة الأخيرة، غير أن الإصرار على الاستمرار بثقافة شراء وتخزين المواد الغذائية استعداداً لرمضان، أبقى مشكلة ارتفاع الأسعار خلال هذا الشهر الحالة التي لا يبدو أنها ستجد حلاً على الإطلاق، نظراً لارتباط التسعير بالضرورة بنسب العرض والطلب.
ونحن نكمل الأيام الأولى من هذا الشهر تطفو على السطح اليوم تساؤلات بخصوص طبيعة الاستهلاك، وتكلفته الاقتصادية، ومدى توافر المواد الغذائية، وأي تلك المواد الأكثر استهلاكاً والأكثر استيراداً؟ وهل تحول شهر رمضان إلى عبء اقتصادي على معظم الأسر السورية؟
«الاقتصادية» حاولت البحث في إجابة عن كل هذه التساؤلات وفتحت ملفها «اقتصاد رمضان»
المواد متوافرة والأرز واللحوم تتصدر الاستهلاك
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب شدد على أن المواد الغذائية متوافرة بالشكل الكافي، أما بالنسبة للمواد المستوردة فيجري استيرادها قبيل شهر رمضان، حيث يجري رصد حاجة السوق وعليه يتخذ قرار استيراد ما يحتاج إليه.
شعيب وصف حركة السوق بالعادية والمستقرة، ولا ارتفاعات كبيرة ستحصل في رمضان، نظرا لتوافر المواد الغذائية بالشكل الكافي وبكل المحافظات كما أن موسم إنتاج الخضر وفير هذا العام، مؤكداً ضرورة لجوء المواطنين للسورية للتجارة نظراً لاتخاذ قرار من الوزارة بتخفيض الأسعار عن السوق، وكذلك توحيدها في كل الصالات.
ولفت شعيب إلى أنه لا استثناءات في عملية الاستيراد المطلوبة خلال شهر رمضان، لكن ما يجري هو زيادة الطلب على مادة الرز والسكر وبعض المواد الغذائية الأخرى كالشاي ، إضافة إلى لجوء التجار لاستيراد التمور والتمر هندي وأنواع الشراب.
وأوضح شعيب أن من العادات التي على ما يبدو من الصعوبة بمكان إقناع السوري بالتخلي عنها، هي إقبالهم على شراء كميات كبيرة من حاجيات رمضان قبيل أيام قليلة من قدوم الشهر الكريم، وهذا بالتالي يؤثر في العرض والطلب ما يسبب في كثير من الأحيان ارتفاعاً في الأسعار، ما يلبث أن يعود إلى ما كان عليه بعد مرور الأسبوع الأول من رمضان.
الزيت والسمنة والرز والسكر والشاي واللحوم تتصدر استهلاك السوريين في رمضان بحسب شعيب، الذي أشار إلى أن توافر الإنتاج الزراعي سيخفض الأسعار بشكل كبير، و«الوضع هذا العام سيكون أفضل بصورة واضحة من السنوات السابقة».
وبيّن شعيب إن الإنتاج المحلي من المواد الغذائية يغطي 75 بالمئة من حاجة السوق، والاستيراد يتوقف على عدد قليل من المواد التي يتصدرها الرز والسكر، أما الإنتاج الزراعي واللحوم فهي اليوم تغطي مئة بالمئة من حاجة المستهلك السوري، ولا استيراد لهذه المواد حتى في وقت ارتفاع نسبة الاستهلاك وقت شهر رمضان، ومن ثم لا خوف على الاطلاق على مخزن سورية الغذائي.
عادات الاستهلاك متغيرة حسب المناطق السورية
وأشار شعيب إلى أنه ومن خلال رصد عادات استهلاك السوريين هناك اختلاف بين المحافظات في هذه العادات فالدمشقيون يتجهون إلى استهلاك الفول واللحم والأرز والحلويات الشرقية بصورة واضحة خلال شهر رمضان، أما الحلبيون فيتجهون إلى استهلاك اللحوم والأرز والحلويات أيضاً أما اللاذقية ومناطق الساحل فيميل سكانها إلى استهلاك الخضر بشكل واضح، أيضاً هناك اختلاف في عادات تحضير موائد الإفطار بين المحافظات والمناطق السورية، فبعض المحافظات كدمشق وحلب على سبيل المثال يميلون إلى تقديم وتناول عدة أصناف من الطعام وهناك مناطق أخرى تميل إلى تقديم نوع أو صنف واحد.
شعيب حذر من المواد مجهولة المصدر المهربة، نظراً لارتفاع نسبة الغش خلال شهر رمضان، وخصوصاً التمور واللحوم والحلويات.
لا استثناءات في مستوردات رمضان
وزارة الاقتصاد بدورها أكدت ما ذهبت إليه نظيرتها التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث أكد مدير التجارة الخارجية بالوزارة ثائر فياض أن هناك قراراً بمنع استيراد جميع المواد التي لا تنتج محلياً، علماً أن قرارات الاستيراد وحجمها لا يتغير خلال شهر رمضان لأن موضوع الاستيراد لا يتم قبل رمضان بأيام إنما قبل ذلك بأشهر ولفت فياض إلى أن سورية تصدر حالياً الخضر والفواكه، وعمليات التصدير ما زالت قائمة ومستمرة، باستثناء لحم العواس، حيث هناك قرار بمنع تصديرها، ووصول «العواس» إلى مناطق في الخليج يتم عبر التهريب.
تراجع القوة الشرائية فرض «الترشيد القسري»
مستشار اتحاد الغرف الزراعية في سورية عبد الرحمن قرنفلة، أشار إلى أن الحالة الاقتصادية السائدة وانخفاض القوى الشرائية فرض ترشيداً قسرياً على الاستهلاك في رمضان، مبيناً أن الترشيد اتخذ منحيين: الأول بتخفيض كمية شراء الحاجيات اللازمة في رمضان، والمنحى الآخر في نوعية الاختيار بمعنى الذهاب نحو البدائل الأقل سعراً وعلى سبيل المثال يتجه المواطنين حالياً إلى شراء لحم العجل بدلاً من الغنم وفي مرحل أخرى الذهاب إلى شراء لحم الدجاج، وفي غالب الأحيان هناك ابتعاد عن شراء الأسماك لارتفاع أسعارها، واليوم تتصدر البدائل الأرخص مشهد الشراء للسوريين إن صح التعبير، وهناك تراجع واضح في الإقبال على الشراء وحركة السوق تعكس هذا الأمر.
وقال: نحن في مرحلة نخفض فيها معروض لحم الدجاج ما رفع في أسعارها، مع الإشارة إلى أن هذا الأمر مؤقت، وسنشهد انخفاضاً في أسعار البيض والفروج في النصف الثاني من رمضان وهذا الأمر ينسحب على باقي المواد الغذائية التي ستشهد توازناً في الأسعار.
قرنفلة الذي طالب أيضاً بتغيير عادات الاستهلاك لفت إلى أن المجتمع السوري مقسم إلى طبقات متعددة والسوريون غير متساويين بطبيعة الحال في أوضاعهم الاقتصادية هناك من يستطيع شراء ما تحتاج إليه وأكثر، بدليل امتلاء المطاعم بالمرتادين، وهؤلاء بالتحديد من نريد منهم ترشيد استهلاكهم لمصلحة الطبقة الأخرى من السوريين التي هي بالأساس تخضع لترشيد إجباري.
وأشار قرنفلة إلى أنه ومع انخفاض مستوى الدخل يرتفع بطبيعة الحال ذهاب الاستهلاك بصورة أساسية إلى الطعام وخاصة الطبقات الفقيرة التي كلما انخفض مستوى دخلها اتجهت في تكريس الدخل إلى شراء الطعام على حساب أساسيات أخرى ربما منها اللباس وغيرها كمرحلة ثانية وربما ثالثة، وشيئاً فشيئاً هناك من تحول لديه شراء الملابس إلى نوع من الرفاهية.
طبيعة رمضان الروحانية لا تعني انخفاض نسب الغش
قرنفلة الذي لفت إلى أنه وعلى الرغم من أن طبيعة شهر رمضان الروحانية وتعاليم الإسلام وكل الأديان تنهى عن الغش، غير أن شهر رمضان يشهد ارتفاعاً كبيراً في نسب الغش بالمواد الغذائية وأيضاً في أسعارها، نتيجة زيادة حجم الطلب خلال هذا الشهر، حيث تحتل الأجبان والألبان صدارة المواد التي تتعرض لعمليات الغش بشكل كبير، وأيضا ًالتمور بكل أنواعها، وهنا مرة أخرى لنا عودة لدور وعي المواطن نفسه وعدم رهانه على ضمير البائع وأن يتحرى لمواقع الثقة في عملية الشراء حتى وإن كانت في الأسواق الأرخص.
تغيير ثقافة الشراء في رمضان ضرورة
رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها سراب عثمان ركزت في حديثها لـ«الاقتصادية» على ضرورة تغيير ثقافة الشراء في رمضان، والسوريون المعتادون على تخزين المواد الغذائية والطعام قبل أسبوع من بداية رمضان، ينبغي العمل على تغيير هذه العادة، لأن الإصرار على الاستمرار بها سيعني بالتأكيد الإسهام في أزمة ارتفاع الأسعار التي يعاني منها في كل رمضان.
وأكدت عثمان أن دخل معظم السوريين اليوم لا يتناسب مع الطريقة التي كان معتاداً على العيش فيها خلال سنوات ما قبل الحرب، وهناك تغيير كبير في الأولويات.
وشددت على الدور المهم الذي يلعبه التجار في هذه المرحلة، علماً أن معظمهم يلعب اليوم دوراً إيجابياً في هذا الإطار وهناك الكثير من التجار يسهمون اليوم في تقديم سلال رمضانية للطبقات الأفقر من السوريين، فليس كل التجار هم من ضعاف النفوس، ينبغي الإشادة بالدور الذي لعبه ولا يزال يلعبه عدد مهم من تجار السوق، في التخفيف إلى حد ما من العبء الذي يتحمله السوريون.
للتجار كلمتهم أيضاً
في جولة «الاقتصادية» على بعض الأسواق التجارية في دمشق، أجمع عدد كبير من التجار على اعتبار شهر رمضان، شهر الحراك وارتفاع نسبة المبيعات، حتى مع انخفاض القوة الشرائية للمواطن، فتغيير طريقة الصرف وذهاب الأموال بالضرورة إلى شراء مستلزمات الطعام وغيرها يحرك السوق بشكل كبير، كما أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحقق أرباحاً مهمة خلال هذا الشهر، وليس من المبالغة القول إن التجار يستعدون تماماً لقدوم شهر رمضان، ويتطلعون فيه لزيادة مبيعاتهم، والاستفادة من القيمة النقدية المتوافرة لدى السوريين، أو بالأحرى التي لا تزال متوافرة لديهم.