ع الوتَر … 40 ملياراً (الصغيرة)!
علي محمود هاشم
لا غموض في عقل الحكومة حول أهمية المشروعات الصغيرة.
الأحاديث الرسمية، قديمها وحديثها، واظبت على إبراز الأهمية الاقتصادية لهذا الطراز من المشروعات في تحرير الإنتاج الوطني، وعلى احتياجاتها التنظيمية اللازمة للتوسع في هذا القطاع الحيوي اجتماعياً.
استغرق الأمر حتى الآن، سنوات تم إنفاقها على شكل فئات أصغر من الأشهر والأسابيع تسهيلاً لخسارتها.
في كانون الثاني 2016، تم إحداث (هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة) بديلاً لـ (الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات) الفريدة بفشلها في تاريخ الاقتصاد السوري، وفي آذار اللاحق، استكمل القطاع مظلته التشريعية بعد صدور قانون (إحداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة) قبل أن يعلن المصرف المركزي تأسيسها في تشرين الأول 2018!.
الأسبوع الماضي، وبعد إقحام آذان الاقتصاد الوطني في ورشة جديدة من الإصغاء القسري لمتطلبات تنمية المشروعات الصغيرة ولاحتياجاتها التنظيمية، أعلن المصرف المركزي حاجته إلى (بضعة أشهر أخرى) جديدة لزوم وضع النظام الداخلي لمؤسسة ضمان مخاطر القروض الصغيرة!، هو اليوم، وفق ما تم إعلانه، يبحث عن (توصيات ونصائح تساعد في صياغة الإطار التنظيمي والقانوني ومنح المرونة الكافية التي تساعد مختلف الأفراد في الحصول على التمويلات اللازمة لمشروعاتهم الصغيرة والمتناهية الصغر).
ما سبق، لا يمكن فهمه سوى كجرعة معنوية جديدة لتلك العناكب المعشعشة على مكاتب وأبواب وزوايا جدران (هيئة ضمان مخاطر القروض الصغيرة)، مفادها، أن لا خوف من إخلاء قسري في المدى المنظور لأي من شبكاتها نحو مساكن حكومية بديلة، لا بل قد يستغرق الأمر أجيالا جديدة من العناكب قبل إعادة استملاك أعشاشها من (جماعة المخاطر)، فبالقياس، يرجح أن ينفق هؤلاء بضع سنوات أخرى يتم تمريرها –كما العادة- على شكل (بضعة أشهر)، قبل نجاحهم في وضع (النظام الداخلي) كمدخل لاستيضاح كيفية إشغالهم مكاتب هيئتهم!
عبر الأغشية الكتيمة لما وراء الكواليس، يمكن استشفاف خلافات حامية تتخفى خلف البرود الشديد في استدراك النظام الداخلي لهيئة (ضمان المخاطر) رغم مرور سنوات على إقرار مظلته التشريعية، تلك الأخيلة تشير إلى معطيين متناقضين، إما تنافس من نوع ما داخل القطاع المصرفي على تحاصص الإدارة ورأس المال، أو لربما العكس: محاولات محمومة للتحلل من مسؤولية تمويله، استدعت تبدلاً طارئاً في هيكليته.
مهما كان من أمر، فعلى الإدارة المصرفية التيقن من أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لم يعد لها من طاقة على مزيد من التفهم لعسر ولادة الهيكليات الخاصة بتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
والأهم، عليها أن تدرك بأن الانتهاء من تسريع بناء القوام الداخلي لهيئة دعم مخاطر الإقراض الصغير، قد يجنبنا بعضاً من النتائج الكارثية لتلك للمعارك الخفيفة التي تستلمح حماوتها في كواليس الـ40 مليار ليرة التي تم تخصيصها من الأموال العامة لدعم المنشآت الكبيرة (الجادة)، مناصفة مع المشروعات الصغيرة، فخلال الآونة الأخيرة ثمة الكثير مما يشي بذلك، وخاصة بعدما ذهبت بعض المنصات الحكومية إلى مطالبة (حراس المال العام) في الحكومة ذاتها، بالإفراج عن الـ40 ملياراً تحت طائلة الاتهام (بتعطيل دعم المشروعات الصغيرة) واتهامات مبطنة لوزارة المالية بالعداوة للاقتصاد الوطني.
قد يكون الأمر مجرد مصادفة لا علاقة له بتوق شديد يساور بعض مراكز القرار الحكومي، للاستفادة من الميوعة التنظيمية تسهيلا لإنفاق الـ40 ملياراً كيفما اتفق، أو لربما إنفاق نصفها المخصص لـ(الجادين الكبار) على الأقل، قبل مد اليد إلى نصفها الآخر.. وبعدها يمكن للهيكلية التنظيمية للإنتاج الصغير أن تسير (مهلاً على مهل)!.
إن صح الأمر، وفي الأمر ما يدعو إليه، فلربما يستحق (حراس المال) الحكوميين رفع القبعة لتوجسهم من استمرار حالة (عدم التزامن) بين سعي بعض مراكز القرار الحكومي للمضي في إنفاق الأموال العامة من باب (دعم) منشآت الإنتاج، واستكمال الهيكل التنظيمي اللازم لتمويل أكثرها أهمية على الصعيد الاجتماعي: المنشآت الصغيرة والمتوسطة!
وفق ذلك، يتبدى التأخر لكل هذا الوقت، في استكمال هيكل تنظيمي يفترض أنه تم وضعه سلفاً ساعة إقرار قانون (مؤسسة مخاطر الإقراض الصغير)، كمساهمة في دعم الميوعة اللازمة لتبذير 40 ملياراً، ليست (صغيرة) بالتأكيد في حساب الأموال العامة.