الحكومة حصلت على 5.5 مليارات ل.س من المهربين خلال شهرين وزير المالية لـ«الاقتصادية»: ليس هناك أي مبرر للتهريب في سورية لأن كل ما يحتاج إليه المواطن مؤمن!
عبد الهادي شباط
بعد أكثر من شهرين على حملة الجمارك هل استطاعت هذه الحملة تحقيق إنجازات مهمة؟ وما أثر هذه الحملة على المواطن؟ العديد من المؤشرات والبيانات قدمتها الجمارك منذ بداية حملتها على التهريب مع مطلع شباط الماضي تظهر حجم المهام المنفذة وأهمية النتائج المحصلة، أهمها تنظيم 700 قضية تهريب على مدار شهرين من انطلاق الحملة على المهربات بقيمة تجاوزت 5.5 مليارات ليرة.
لكن العديد من الملاحظات رافقت هذه الحملة، منها تركز الحملة على نطاقات محددة، والتوجه أكثر باتجاه حلقات التهريب الأخيرة التي عادة ما تمثل شريحة يطلق عليها اسم المتعيشين، بينما العديد من شيوخ الكار في التهريب مازالوا يسرحون ويمرحون، وكأن الحملة لا تخصهم، بينما واجه المستهلك منذ بداية الحملة ارتفاعات سعرية لدى العديد من السلع المهربة منها أو السلع التي تمثل نظيرة للسلع المهربة، واختفت من السوق، وأمثلة على ذلك حليب الأطفال والفروج وغيره من السلع التي تمثل حاجات أساسية للمواطن.
وزير المالية مأمون حمدان رأى في تصريح لـ»الاقتصادية» أن الحكومة تتابع احتياجات المواطن وخاصة من السلع الأساسية، وتعمل على توفيرها واستيرادها وفق أولويات البلاد وتحديد القطع الأجنبي الذي يوظف في هذا المجال بالتعاون مع التجار والصناعيين لكونهم شركاء في توفير السلع والاحتياجات التي تحددها الحكومة عبر جلساتها الدورية.
إن اختفاء المهربات من السوق هو توجه حكومي لحماية الاقتصاد الوطني والصناعة وحماية المواطن بالدرجة الأولى من السلع المهربة وخاصة الغذائية التي كانت تدخل من دون أي رقابة أو اختبارات تظهر مدى سلامتها وصحتها للاستهلاك، ومثال على ذلك معظم الفروج الذي كان يعرض في الأسواق المحلية هو فروج مجمد دخل بطرق غير شرعية عبر المناطق الشمالية ومنشؤه تركي، ورغم أنه كان يباع بسعر مخفض نوعاً ما، إلا أن الكثير من الفحوصات التي أجريت على هذه العينات من الفروج أظهرت عدم سلامته وتجاوزه لمدة التخزين المسموح بها، إضافة لتعرضه للفساد بسبب عمليات النقل والشحن وحله وتلوينه بالأصبغة الضارة والمسرطنة، وفي المحصلة من واجب الحكومة حماية المواطن وتحصينه أمام هذه السلع الضارة عبر البدائل التي تعمل عليها الحكومة، وفي هذا الإطار استطاعت الحكومة توفير كل مستلزمات الإنتاج وتربية الدواجن وتسهيل عمليات استيراد كل احتياجات التربية من مادة علفية وغيرها تحت رقابة الدولة، وأنه من المتوقع خلال الفترة القادمة تحسين معدلات الإنتاج من الدواجن الذي تراجع بفعل الخسارات التي تعرض لها المربي بسبب إدخال فروج مهرب رخيص مجهول المواصفة.
وأكد الوزير أنه ليس هناك أي مبرر للتهريب في سورية، لأن كل ما يحتاجه المواطن مؤمن وتم توفير كل احتياجات الصناعة ومستلزمات الإنتاج المختلفة عبر السماح باستيراده.
وبخصوص طلب بعض السلع العالية الرفاهية بين الوزير أن الحكومة تحدد طبيعة السلع التي يجب توافرها في الأسواق عبر العديد من المتابعات والمراصد التي تعتمد عليها واختيار السلع التي يحتاجها المواطن بشكل أساسي، لأنه من غير المعقول بعد 8 سنوات من الحرب على سورية التوجه نحو فتح المجال لاستيراد المواد غير الضرورية وخاصة منها التي تمثل حالة عالية من الرفاهية، واستنزاف القطع الأجنبي عليها من دون مبرر، لكن الحكومة تتجه لتوفير كل المواد والمتطلبات والتوسع في هذه المتطلبات وفق المرحلة الحالية وتحسن الظروف العامة في البلد.
وعن تقييمه لأداء الحملة اعتبر أنها تسير في الطريق الصحيح، وأن هناك الكثير من الإنجازات المهمة حققتها الحملة، وهي مستمرة ولن تتوقف قبل أن تتلاشى كل مظاهر التهريب في الأسواق، معتبراً أن الغرامات التي تفرضها الجمارك على المهربات المضبوطة رادعة، وبات الكثير من العاملين في التهريب يحسبون حسابها وأنه بالمقابل لن يسمح في أي حالة تجاوز من عناصر الجمارك وسيتم محاسبة أي عنصر يثبت يرتكب مخالفات أو تجاوزات.
وفي الوجه التنفيذي لحملة الجمارك على المهربات، بين الآمر العام للضابطة الجمركية العميد آصف علوش أن الكثير من المؤشرات تفيد بنجاح الحملة ومنها اختفاء الكثير من المواد المهربة من الأسواق، بعد أن كانت تعرض على واجهات المحال والبسطات في الشوارع، وأن الكثير من الرهان على لحظية الحملة سقطت، وبات واضحاً ديمومة الحملة واستمراريتها، وأن الضابطة الجمركية عدلت الكثير من محاور عملها وخططها وتوزيع العمل الجمركي على المساحة السورية وفق قطاعات وتحديد المهام، والأولويات في كل قطاع توفير عمل جمركي على مدار الساعة عبر وجود عناصر الضابطات والمفارز ضمن مهامهم على مدار اليوم وفق برامج عمل تنظم ذلك.
وبيّن أن حملة الجمارك الحالية الواسعة وفرت الكثير من المعلومات حول شبكات التهريب من باعة الجملة والموردين الكبار للتهريب للمحال والبسطات، ويتم العمل على الاستفادة من هذه المعلومات وتوظيفها لتحديد خارطة مهام جديدة للمرحلة الحالية، تركز على ضرب منابع ومراكز التهريب الأساسية في مختلف المدن والمناطق، وسيكون لذلك أثر مهم في ضبط ظاهرة التهريب وتراجع حجم البضائع المهربة التي تصل للأسواق المحلية، وخاصة أن الضابطة الجمركية تعمل على تعزيز وجودها بالقرب من المناطق التي تمثل معابر أساسية لدخول المهربات وتكثيف حضورها على المنافذ والطرقات التي يستخدمها المهربون لإدخال بضائعهم نحو الأسواق المحلية في المدن والبلدات وخاصة دمشق والضابطة حققت الكثير من النتائج المهمة في مناطق كانت تعتبر حيوية للمهربين وخاصة في حماة وعدد من المحافظات والمناطق الحدودية.
وأكد الآمر العام أن الكثير من الملاحظات التي وردت حول تنفيذ المهام تم النظر فيها، وإعادة تقويم العمل، وأن هناك متابعة وتدقيقاً في سلوكيات العناصر وكيفية تنفيذ مهامهم، وأنه لن يقبل أي مخالفة من أي عنصر وأن تتم المحاسبة فوراً وفق نظام العمل الجمركي، وهناك العديد من العناصر الذين تمت محاسبتهم واتخاذ العقوبات المناسبة بحقهم وفق المخالفة المرتكبة.
مبيناً أن هدف الحملة هو ضبط التهريب ومكافحته وتنظيف الأسواق من المواد والبضائع المدخلة بطرق غير شرعية بما يحصن الاقتصاد الوطني ويدعم الصناعة المحلية، وأنه ليس من مهام الحملة عرقلة عمل أي منشآت صناعية أو اقتصادية، بل دعم هذه المنشآت عبر فتح أجواء عمل أفضل بعيداً من منافسة المنتجات المهربة وغير المعروفة المواصفات.
واعتبر مدير في الجمارك لـ«الاقتصادية» أنه يجري العمل على تقييم الحملة بشكل مستمر لمعرفة أين نجحت الحملة وأين فشلت؟ وتحديد نفاط القوة فيها لتعزيزها والعمل عليها وتلافي أي مظاهر للخلل أثناء تنفيذ المهام، وأن هناك حالة متابعة من الحكومة لهذه الحملة والتعرف على نتائجها باستمرار والعمل على توفير كل متطلبات نجاحها، وخاصة أنه تم توفير حالة واسعة من التشبيك والتعاون مع العديد من الجهات الفاعلة في إنجاح ملف القضاء على ظاهرة التهريب، بينما هناك حالة تنسيق مستمرة مع غرف التجارة والصناعة والتعرف على ملاحظاتهم حول أي مهمة جمركية، وخاصة عند الدخول للمنشآت الصناعية، حيث يتم ذلك بحضور ممثل عن غرفة الصناعة المعنية، بينما أكد أن الزيارات التي تنفذ على المعامل والمنشآت الصناعية بشكل دوري تتم بقرار محلي ضمن كل محافظة، حيث تم تشكيل لجان محلية خاصة في كل محافظة لتنفيذ هذه الزيارات يشترك فيها العديد من الجهات، ومنها الجمارك، والهدف منها هو خلق ظروف عادلة للمنافسة بين المنشآت الصناعية بعيداً من استخدام أي مواد رخيصة ومجهولة المصدر وضارة، مبيناً أن الجمارك طورت الكثير من آليات عملها لجهة التدقيق في البيانات التي يعرضها الصناعي أو التاجر، وهو ما سمح بكشف الكثير من حالات التلاعب والتزوير التي تجري متابعتها، إضافة لتطوير الكثير من برامج العمل والتتبع التي تسمح بتوفير الكثير من المعلومات عن حركة المواد المدخلة، إضافة لجملة الإجراءات التي تنفذ لتحديد مدى استخدام مواد مهربة في الإنتاج المحلي.
ويبدو أن الحملة على المهربات مستمرة وفق متطلبات المرحلة وبالتناغم مع التوجهات الحكومية الرامية لتنظيف الأسواق المحلية من كل مظاهر التهريب، لكن يبقى أمل المواطن في الشارع أن تنجح هذه الحملة من دون أن تطوله تبعاتها وبعض آثارها عبر فقدان بعض السلع التي يحتاجها، أو حدوث قفزات في الأسعار على غرار ما هو حاصل لدى أي حركة في سعر الصرف.