ع الوتر … خبز البطاقة الذكية
علي محمود هاشم
يعلم المستهلكون أن الدعم اليومي للخبز يراوح بين 1 و1.1 مليار ليرة، أي إنه يقدر بنحو 400 مليار سنوياً.
البيانات السابقة أضحت قديمة اليوم، فقياساً بالتبدلات النقدية التي عصفت بليرتنا مؤخراً، يرجح أن أرقام الدعم السنوي للخبز باتت تغذّ الخطا بشكل حثيث نحو 500 مليار مدفوعة بهيمنة الاستيراد على معظم مواده الأولية كالقمح والمشتقات النفطية من جهة، وبالتأثير المزدوج لتزايد أسعار النفط المطرد على صعيد الشحن من الأخرى.
ما سبق، يؤشر فقط إلى الظروف الموضوعية التي تتربص بأكثر مطارح الدعم حساسية، إذ تقابلها على الضفة الأخرى ظروف ذاتية لا تقل استنزافاً، تجسدها (مافيا الخبز) التي تضاهي بخبثها في طعن الدعم الحكومي ما يفعله أقرانها مع السلع المدعومة الأخرى، ناهيك عن تأثير الاستخفاف الشعبي الذي ورغم كل ما يظهره من طهرية خاصة تجاه الخبز، ألا يردعه ذلك عن جعله محط استعمال جائر في الكثير من الأحيان؟!
من واقع الحال هذا، وما دام مصرفنا المركزي لا يزال يمتشق سلاح (التفرج) على مجريات سوق النقد متنكراً بدور (المراقب)، يجدر بنا تتبع الخلل القادم إلى قطاع الدعم وهو يشق طريقه نحو (الخط الأحمر) الذي لطالما شكل مع (السياسة) المزيج الأكثر خطورة في حياة الشعوب.
لسبب تاريخي، اتخذ الخبز طبيعة مختلفة عن السلع المدعومة الأخرى، وهو لذلك يخضع لظروف خاصة شحيحة المرونة قياساً بأقرانه.. هذا أمر يحتم البحث عن حلول متناسبة واستجابات سريعة لئلا نضطر قريباً إلى إضافة (لطشة) لونية جديدة إلى أخريات بدأناها منذ 2013، وتحول معها (خطنا) الذي لطالما عرف بلونه الأحمر، إلى ما يشبه قوس قزح!.
مطلع الشهر الجاري، أفلت وزير الكهرباء كلمة مقتضبة عن التفكر الحكومي بتغطية البطاقة الذكية للخبز المدعوم.
ثمة الكثير مما يوحي بأن الأمر بات أقرب للقرار، وفي الواقع، يجدر بالحكومة أن تكون قد اتخذت مثل هذه الاستجابة السريعة مسترشدة بالعائدية المتصاعدة لجيوب فاسدي الطحين والمشتقات النفطية، تبعاً للتبدلات التي أصابت سوق النقد مؤخراً.
منطقياً، يسهل الوقوف على مبعث التفكير الحكومي ببطاقة الخبز الذكية لضبط تهريب الدقيق والمشتقات اللازمة لتحويله إلى خبز، بعدما فشلت جميع الإجراءات السابقة التي استهدفت توضيب العمل ضمن حلقات التزويد (الأعلى)، فما رآه رئيس مجلس الوزراء في فرن (الدويلعة) بقلب دمشق قبل أيام، ليس أكثر من انطباع عن نجاعة تلك الإجراءات، وعن المصير المحتمل للدقيق والمازوت التموينيين في مئات الأفران الأبعد، وصولاً إلى القناعة بأن مشكلة فساد الخبز، كما التهريب، قد لا يمكن ضبطها إلا من خلال القيادة المباشرة لحلقتها الأخيرة حيث منافذ البيع..
لطريقة (الخطف خلفاً) هذه، أن تتيح قيادة قواعد بيانات البيع الخاصة بالمستهلك نحو سلسلة من المطابقات الخلفية للمدخلات والمخرجات في الحلقات الأسبق، بما يفضي في مجمله إلى ضبط الاستهلاك ضمن الغايات المرسومة له وإلى إيصال الدعم لمستحقيه صافياً، ليس من فساد المازوت فحسب، وإنما أيضاً من حالة (الكاتو الأنطوانيتي) و(علف الماشية) الذي يتم تناوله اليوم طحيناً مهرباً من الأفران، على حساب الشرائح الأكثر احتياجاً إلى الخبز.
بطبيعة الحال، فإن ما لاقاه –ويلاقيه اليوم- نجاح البطاقة الذكية في قطاع المشتقات النفطية من تعنّت الفاسدين العابرين لحدود القطاعين العام والخاص ومحاولاتهم المحمومة لتأليب المستهلك ضد مصالحه، قد لا يذكر قياساً بما سيلاقيه قطاع الخبز بطبيعة استجابته المرهفة إعلامياً واجتماعياً.. هذا الأمر يتطلب من أي عملية تصحيحية في تزويد هذه السلعة الحرجة، أن تتحوط للتأثيرات التي يحتمل أن تلاقيها، وذلك عبر التحضير الجيد لنظام عملها، واستقطاب رضى أصحاب الأفران (الصالحين) لدعمها.. وعلى التوازي، التحسب المسبق لما يمكن للفاسدين المتضررين افتعاله من أزمات لطالما شكلت سلاحهم الأمضى في الدفاع عن خلل يناهز الـ50 عاماً.
إصلاح نظام (تزويد الخبز) الذي كثيراً ما أثقل كاهل المالية العامة وأغضب المستهلكين، بات ضرورة.. نجاح الحكومة في هذا الخيار سيشكل إنجازاً مهماً في تبديد القسط اليومي من الأحقاد والعنف البشري اللذين يتقاذفهما المستهلكون على كوات الأفران أثناء محاولتهم الحصول على احتياجاتهم، كما سيتيح للمخابز الحصول على حصتها من الدقيق والمازوت الرخيص مقابل الخبز المدعوم الذي تبيعه للمستهلكين، حقاً.. وهذا -فقط- ما سيجعل من الصعب ذهاب الدعم إلى غير مستحقيه.