شؤون محلية

أيام الذهب… الزواج وعيد الحب وعيد الأم – 90 بالمئة من مبيعات الذهب للحلي و10 بالمئة للادخار بعد عودة الأمان

الذهب بأعناق النساء السوريات

سيلفا رزوق

لن يكون بجديد القول: إن الذهب شكل عبر عصور طويلة نقطة التأثير الأقوى في السوق وعلى العملات بصورة عامة، هذا عدا العلاقة القوية بين قيمته وقيمة هذه العملات.
الذهب الذي يرتبط ذكره بالاقتصاد، وكذلك بالنساء، شكل أيضاً الملاذ الآمن للمدخرات في أوقات الأزمات، وهو كان كذلك خلال سنوات الحرب التي مرت على سورية، والتي تمكنت من تغيير الكثير من عادات وتقاليد السوريين، لكنها لم تغير من نظرتهم إلى الذهب واقتنائه، كما لم تمنع النساء السوريات من الإصرار على تزيين أنفسهن به، رغم كل الصعوبات الاقتصادية المتواصلة.
لا إحصائيات دقيقة لكميات الذهب التي اشتراها السوريون خلال الفترة الماضية، لكن عدم حصول ركود لم يعنِ عدم تأثر صناعة الذهب وقطاع الصاغة بما يجري، وخصوصاً مع اشتداد العقوبات الاقتصادية التي تسببت بصعوبات كبيرة في إدخال الآلات اللازمة لتطوير هذه الصناعة.
الذهب السوري ورغم الكم الهائل من الصعوبات والظروف الاقتصادية وغير الاقتصادية القائمة، تمكن من الحفاظ بجدارة على سمعته العالمية، وهو لا يزال المنافس الأكثر ثقة، والمادة الأكثر إلحاحاً في الطلب على شرائها من دول الجوار.
الذهب عند السوريين، وتأثيرات الحرب في هذا القطاع، وجدلية العلاقة بين ارتفاع نسب التضخم واللجوء إلى الذهب كوسيلة ادخار.. شكلت عناوين رئيسة حاولت «الاقتصادية» البحث في تفاصيلها والإضاءة على عادات اقتنائه بين المناطق السورية المختلفة.

مبيعات

رئيس جمعية الصاغة في دمشق غسان جزماتي الذي التقته «الاقتصادية» أكد أن مبيعات الذهب منذ بداية العام وصلت لنحو 3 كيلو غرامات يومياً في العاصمة، متوقعاً ارتفاع نسبة المبيعات في فترة عيد الأم، عازياً في الوقت نفسه انخفاض الطلب على الذهب في الفترة الحالية، إلى اتجاه الكثير ممن تضررت منازلهم نتيجة الحرب على سورية صوب ترميم منازلهم وتفضيل معظم الذين هجروا من منازلهم العودة إلى بيوتهم وترميمها.
جزماتي اعتبر أن السوريين يمتلكون كمية كبيرة من الذهب، مذكراً بثقافة السوريين التي تنحو باتجاه الادخار عبر شراء الذهب، مدللاً على كلامه بالتذكير بكمية الذهب التي تم بيعها قبيل صدور مرسوم استيراد الذهب الخام، حيث ارتفعت نسبة الإقبال على شراء الذهب بصورة كبيرة بداية الحرب على سورية من دون أن تنقص كميات الذهب المعروض.
وأشار جزماتي إلى أن قرار استيراد الذهب شكل نقلة نوعية بمهنة الذهب، حيث بات يحق لأي سوري يريد العودة إلى بلاده على سبيل المثال، استبدال ما يملكه من مال بكمية من الذهب الخام، وبالتالي التصريح عنها، حيث يدفع عن كل كيلو ذهب 100 دولار، ومن ثم يقوم ببيعها بصورة نظامية.

عادات اقتناء مختلفة

أشار جزماتي إلى عادات السوريين باقتناء الذهب، مميزاً بين الريف والمدينة، حيث يرتبط شراء الذهب في الأرياف بمواسم الإنتاج الزراعي، إذ يقوم الفلاح بتحويل حصيلة ما أنتجته الأرض وادخاره ذهباً، وبيعه عند الحاجة.
وشدد على أن عادات الريف تربط بين الادخار والذهب، بينما ينحو سكان المدن لاقتناء الذهب بقصد الزينة، لكن هذا الأمر تغير في السنين الأولى للحرب على سورية أعوام 2012 و2013و2014، حيث ارتفعت نسب الإقبال لتحويل المدخرات المالية إلى مدخرات ذهبية بنسبة كبيرة واستمرت حتى نهاية 2015، فكانت نسبة مبيعات الذهب 90 بالمئة بهدف الادخار و10 بالمئة بقصد الحلي، ووصلت نسبة المبيعات في دمشق بتلك الفترة لنحو 6 إلى 7 كيلوغرامات ذهب باليوم الواحد، وكانت تصل بالمناسبات لحدود عشرة كيلوغرامات.
لكن في 2017 والكلام لرئيس جمعية صاغة دمشق، انخفضت نسبة المبيعات واختلفت معها النسب المرتبطة بأسباب اقتناء الذهب، وذلك مع بدء عودة الأمان للبلاد حيث تساوت النسب بين الادخار والحلي 50 بالمئة لمصلحة كل منهما، أما في عام 2018، فكانت نسبة المدخرات 10 بالمئة، ونسبة الحلي 90 بالمئة، والأمر ارتبط برمته بعودة الأمان، مشيراً إلى أنه في عام 2018 لم يتم الطلب على ليرات وأونصات الذهب، إنما جرى التركيز على شراء الحلي.
ولفت جزماتي إلى انخفاض كبير ببيع الذهب مع بداية هذا العام، علماً أن بيع الذهب هو سلسلة في دورة اقتصادية متكاملة وانخفاض القوة الشرائية أسهم أيضاً في انخفاض نسبة المبيعات، وكذلك ما يجري على سورية من حرب اقتصادية أثر في عمليات تحويل الأموال من السوريين بالخارج إلى ذويهم في سورية، ولا ننسى أيضاً التفات الناس لترميم منازلها معتبراً أن تحرير السيولة من الأسواق قد يحتاج لعام آخر، علماً أن نسبة بيع الذهب المعاكسة، لم تشهد ارتفاعاً استثنائياً والعرض اليوم مواز للطلب، وبيع الذهب من المواطنين هدفه الأول الذهاب صوب ترميم المنازل، معتبراً أن عادات السوريين بالاتجاه صوب الذهب كملاذ آمن لمدخراتهم لم ولن تتغير.

بين المحافظات

أشار جزماتي إلى الاختلاف الحاصل بين المحافظات السورية في عادات اقتناء الذهب، حيث يتجه أهالي حلب لاقتناء الذهب من عيار 21 وشراء القطع ذات الأوزان المرتفعة، أما مناطق اللاذقية وطرطوس وحمص فالاتجاه نحو القطع الذهبية «الأورجينال» ذات العيارات الأقل «18»، التي تشبه إلى حد كبير القطع الأوروبية، أما مناطق درعا فيفضلون شراء «المبرومة» أو «الأساور» ذات العيار «21» وذات «الوزن العالي»، وبالنسبة للعاصمة فأغلبية المناطق فيها تتجه لشراء الذهب بعيار «18»، لكن في مناطق أخرى كمنطقة الميدان يفضلون العيارات «21»، لافتاً إلى ارتفاع نسبة اقتناء الذهب في مناطق الساحل، وهذا الأمر حصل خلال الفترة الأخيرة، بينما لا تزال نسبة بيع الذهب تحافظ على تفوقها في مناطق الشمال كما في الحسكة والقامشلي وغيرها، نظراً لارتباط شراء الذهب ببيع المواسم الزراعية، بينما بدا لافتاً انخفاض نسبة شراء الذهب في مناطق درعا، والسبب غالباً هو الاتجاه نحو إعادة ترميم البيوت بعد انتهاء الحرب وعودة الأمان إلى هذه المحافظة.

السمعة رغم الصعوبات

رئيس جمعية الصاغة في دمشق لفت إلى سمعة ومتانة الذهب السوري في السوق العالمية، حيث لا يزال يحتل مكانة متميزة على مستوى العالم، فسمعة الذهب السوري لا يعلو عليها.
وكشف عن طلبات لشراء الذهب السوري من دول الجوار وعلى الأخص في العراق والأردن ولبنان وبكميات كبيرة، علماً أنه بشكل كبير في بيروت، وعدد آخر من المدن في دول الجوار.
جزماتي لفت إلى وجود عقبات روتينية تعيق انطلاق عمليات تصدير الذهب السوري، علماً أن هناك تعاوناً كبيراً من الجهات الحكومية المختصة.
وعن الصعوبات التي يعانيها «الصاغة» في سورية، أشار جزماتي إلى صعوبة استبدال قطع غيار الآلات الخاصة بصناعة الذهب، بسبب العقوبات الاقتصادية، التي تمنع شحن هذه القطع وهذا يؤثر في صناعة الذهب، ولفت إلى موضوع الرسم المالي أي الإنفاق الاستهلاكي، الذي تسبب بحصول حالات تحايل واسعة لدى الكثير من الصاغة للتهرب منه، وهذا التحايل على القانون سببه الرغبة في تنشيط حركة البيع، مبيناً أن ضعف حركة البيع والشراء تستدعي تعاونا أكثر من الحكومة والصاغة ما زالوا بانتظار إجراءات حكومية تساعد في الوصول إلى صيغة توافقية.
جزماتي حذّر مما يسمى الذهب البرازيلي واصفاً إياه بأكبر ضرر جرى خلال الفترة الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يسمى ذهباً برازيلياً هو عبارة عن مجوهرات تقليدية وهو ما ينبغي على أصحاب المحال الإشارة اليه، مشيراً إلى حالات الغش الحاصلة واستثمار جهل البعض بطبيعة هذه المجوهرات التقليدية، كذلك عمليات الاحتيال على الصاغة من خلال استبدال «الدمغة المزيفة» بأخرى أصلية وبيعه هذه المجوهرات على أنها حقيقية.

الذهب زينة وخزينة

رئيس جمعية الصاغة في دمشق الذي جزم باقتناء الأغلبية الساحقة من نساء سورية للذهب، أعاد التأكيد على استمرار العلاقة بين الادخار والشعور بالأمان واقتناء الذهب، وتحول هذا الأمر إلى ثقافة مجتمعية وربما عالمية، وحركة بيع الذهب الحاصلة اليوم هي أكبر دليل على صحة هذه النظرية، حيث تشكل مدخرات السوريين من الذهب الملاذ الآمن لهم لإعادة ترميم بيوتهم، وإطلاق مشاريعهم الخاصة بعد سنوات الحرب التي مرت على البلاد.

ادخار

الخبير الاقتصادي الدكتور غسان إبراهيم في تصريحه لـ«الاقتصادية» ربط بين اللجوء للذهب باعتباره عملة كاملة القيمة فالذهب، يستخدم كنقود وكاستخدامات أخرى كحلي ومجوهرات وغيرها، على عكس العملة المحلية.
أما سبب اللجوء للذهب في الحروب فهو لأن تغيرات أسعارها بطيئة وقيمتها ثابتة، وبالتالي السبب في اللجوء لاقتناء الذهب وقت الحروب والأزمات ليس الحرب بحد ذاتها وإنما التضخم أو ارتفاع الأسعار، وبالتالي يصبح العرض أقل من الطلب ما يتسبب بارتفاع الأسعار وبالتالي يتحول إلى تضخم الأمر الذي يتسبب بانخفاض قيمة العملة مباشرة.
كذلك تسييل العقار ربما يكون صعباً، أما تسييل الذهب فهو سهل، لذلك يعتبر الذهب أقرب سلعة للنقود وهو كامل القيمة وهذا يجعله الملاذ الآمن للناس خلال فترة الأزمات أياً كانت، حتى لو كانت ضغوطاً اقتصادية أو سياسية كبيرة.
الدكتور إبراهيم رفض ربط الاتجاه نحو اقتناء الذهب بالأزمات وخصوصاً لدى السوريين معتبراً أن ما يميز السوريين هو ميلهم نحو الادخار، وبالتالي سيتصدر الذهب بطبيعة الحال قائمة هذه المدخرات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى