حملة التهريب بعد شهر.. ما لها وما عليها؟ «الجمارك»: ضرب أغلب المهربات وعقوبات بحق العناصر المخالفين وصلت إلى السجن أكثر من سنة
عبد الهادي شباط
رافق حملة الجمارك التي انطلقت مع بداية شباط الماضي جملة من الرهانات على نجاح الحملة، والأثر الذي يمكن أن تحدثه في الحدّ من ظاهرة غزو المهربات للأسواق المحلية، فإلى أي مدى يمكن الحكم على الحملة؟ وكيف تقيم إدارات الجمارك ما تحقق في هذا الشهر؟ وما صدى الحملة على الضفة الثانية من التجار والصناعيين؟ وماذا عن أحجية التبغ المهرب؟ ومن المسؤول عن مكافحته في الأسواق المحلية؟ أهي «الريجة» أم الجمارك؟
وللبحث في تلك المحاور تواصلت «الاقتصادية» مع معاون مدير عام الجمارك سميح كسيري الذي اعتبر أن الحملة نجحت على مدار شهرها الأول في تنفيذ المهام المخطط لها، حيث اتسمت الحملة على مدار هذا الشهر بالشمولية والتوسع أفقياً في ضرب أغلب المهربات أينما وجدت، وخاصة في مراكز المدن والمناطق، ومثال على ذلك في دمشق طالت الحملة معظم الأحياء والمناطق، وتم ضرب أغلب المحال والمستودعات التي تحتوي على مهربات، حيث أوكلت معظم المهام في دمشق لعناصر مكافحة التهريب.
واستشهد معاون المدير العام بتحقيق الحملة أثراً مهماً في دمشق عبر اختفاء الكثير من البضائع المهربة من واجهات المحال والبسطات وانحسارها في المستودعات المخفية، وتراجع ظاهرة بيع وتداول البضائع المهربة وهو مؤشر مهم إلى تحقيق الحملة أثراً واضحاً في أسواق دمشق، مبيناً أن ما أسهم في نجاح الحملة في دمشق هو تحقيق ضربات سريعة لمحال ومستودعات التهريب نفذها عناصر مكافحة الجمارك بناء على معلومات وإخباريات مسبقة لدى الجمارك، الأمر الذي أسس لحالة من الخوف والحذر الشديد لدى باعة المهربات، وسمح أكثر من ذلك عبر الشهادات التي أدلى بها العديد من باعة المفرق والبساطات؛ في الكشف عن مصادر تزودهم بالبضائع المهربة، وتوسيع بنك المعلومات لدى الجمارك، وتحديث خطط عملها للتعامل مع البيانات والمعلومات الجديدة التي تدفقت مع تنفيذ الحملة على المهربات.
وأضاف كسيري: «بعد أن تحقق للجمارك وفر في المعلومات عن الكثير من باعة الجملة والموردين الكبار للمهربين، سنتجه حكماً لتوظيف كل البيانات والمعلومات التي حصلنا عليها لتحديد خريطة مهام جديدة للمرحلة الحالية، تركز على ضرب منابع ومراكز التهريب الأساسية في مختلف المدن والمناطق، وسيكون لذلك أثر مهم في تراجع حجم البضائع المهربة التي تصل إلى الأسواق، كما هناك خطة واسعة تعمل عليها الضابطات الجمركية عبر تعزيز حضورها بالقرب من المناطق التي تمثل معابر أساسية لدخول المهربات، وتكثيف حضورها على المنافذ والطرقات التي يستخدمها المهربون لإدخال بضائعهم نحو الأسواق المحلية في المدن والبلدات وخاصة دمشق».
منافسة غير عادلة
بالانتقال لغرف الصناعة ومعرفة رأيهم في حملة الجمارك في شهرها الأول والملاحظات التي دوّنها حول ذلك اتصلت «الاقتصادية» برئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس الذي اعتبر أن الحملة على المهربات ضرورية لأنه لا بد من إيقاف ظاهر التهريب القائمة منذ سنوات، وهو ما أضر بالصناعة المحلية وعرضها لمنافسة غير عادلة عبر إدخال منتجات رديئة وغير خاضعة للاختبارات والمواصفات المطلوبة، إضافة إلى التهرب من الرسوم الجمركية والضرائب المستحقة على البضاعة التي تدخل تهريباً، وكل ذلك أثر سلباً في الصناعة المحلية التي تحتاج إلى دعم واسع لتحقق نهضة اقتصادية فعلية تمثل ضماناً حقيقياً للاقتصاد وقوة الليرة السورية وتوافر المنتجات الموثوقة في الأسواق المحلية.
واعتبر الدبس أن حملة الجمارك يجب أن تركز على المعابر الحدودية ومنافذ دخول المهربات أكثر من التوجه نحو الأسواق وضرب صغار الباعة والبسطات الذين يمثلون الحلقة الأخيرة في سلسلة التهريب، وأنه لا بد من التوجه نحو الأصل ونحو حيتان التهريب وكبار المهربين والموردين للبضائع بطرق غير مشروعة.
كما سجل ملاحظة حول الدخول للمعامل والمصانع للبحث عن المهربات إذ إن معظم المواد الأولية مستلزمات الصناعة المحلية شبه معفاة من الرسوم والضرائب ولا تتعدى معدلاتها 1%، من ثم ليس هناك مبرر للتهريب وإدخال هذه المواد بطرق غير نظامية، والتعرض لاحتمالات المخاطرة من الصناعي، مشدداً على ضرورة أن يختصر الدخول للمنشآت الصناعية في حال توافر معلومات عن مواد مهربة لدى هذه المنشأة، أي أن يكون الدخول للمعامل والمنشآت الصناعية بحالات خاصة وبناء على معلومات فعلية تفيد بوجود ما يستدعي هذا الدخول، وأن يكون ذلك بالتنسيق مع غرف الصناعة وبحضور ممثل عنها، مؤكداً أن أكثر المتضررين من التهريب هم الصناعيون والمستفيد الأكبر من ضبط التهريب هو الصناعة والاقتصاد الوطني، لذلك فإن الصناعيين شركاء في الحملة لضبط ظاهرة التهريب وإيقاف تدفق المنتجات والبضائع المصنعة عبر التهريب.
وهنا اعتبر معاون مدير عام الجمارك أن هناك حالة تنسيق مستمرة مع غرف الصناعة، ولا يتم الدخول للمنشآت الصناعية إلا بحضور ممثل عن غرفة الصناعة المعنية، على حين أن الزيارات التي تنفذ على المعامل والمنشآت الصناعية بشكل دوري تتم بقرار محلي ضمن كل محافظة، حيث تم تشكيل لجان محلية خاصة بكل محافظة لتنفيذ هذه الزيارات يشترك فيها العديد من الجهات ومنها الجمارك.
جذر المشكلة
سجل عدد من التجار الذين تحدثت إليهم «الاقتصادية» بعض الملاحظات على دخول المحال التجارية وعدم التفريق عند مصادرة بعض المعروضات المهربة والمعروضات النظامية التي تتوافر فيها البيانات المطلوبة، معتبرين أن التاجر الحقيقي يعمل في المسموح ولا يتجه إلى تحقيق هوامش ربح فاحشة وسريعة على حساب الاقتصاد الوطني وعلى حساب المستهلك البسيط الذي بدأ يبحث عن السلعة الرخيصة من دون النظر لمواصفاتها ومدى الضرر الذي قد تلحقه، وخاصة في المواد الغذائية التي تهدد سلامة المستهلك بشكل مباشر، وأن لدى التاجر الكثير من البدائل والحلول المسموحة التي يمكنه التوجه لها لتأمين احتياجات السوق من مختلف السلع والبضائع.
وركز أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق على أنه لا بد من التوجه في حلّ مشكلة التهريب إلى الجذر الأساس للمشكلة، إذ إن الأصل في الموضوع هو السماح بدخول المواد والسلع التي تحتاج إليها السوق المحلية وتفويت الفرصة على المهربين لإدخالها تهريباً، مستغلين حالة الطلب عليها في السوق، من دون مراعاة المواصفات والمحددات التي يجب توافرها في هذه السلع قبل عرضها في السوق المحلية، إضافة إلى فوات هامش مهم من الواردات للخزينة العامة عبر التهرب من تسديد الرسوم والضرائب على هذه السلع والبضائع.
كما طالب بتسهيل كل العمليات التي ترافق الحصول على إجازات الاستيراد وتنفيذها حتى وصول البضائع للسوق المحلية، إضافة إلى ضرورة دراسة الرسوم الجمركية وبعض الإضافات التي ترافق هذه الرسوم وتخفيضها، بحيث لا تؤثر في تكلفة وقيمة المادة المستوردة، على أن تكون قيم هذه الرسوم والضرائب موازية لما هو معمول به في بعض الدول المجاورة، ومن ثم يسهم هذا في تخفيض تكلفة الاستيراد وتخفيض سعر المواد المستوردة المعروضة في السوق، ويمكّن من تحقيق القدرة على المنافسة مع السلع والبضائع المهربة في الأسواق المحلية، مبيناً أنه يمكن عبر ذلك تلافي الكثير من مبررات التهريب والمنافذ التي يستفيد منها المنتفعون من ظاهرة التهريب.
وبالعودة لمعاون مدير عام الجمارك، فقد بيّن أنه لم ترد أي شكوى خطية من غرف التجارة لإدارة الجمارك تفيد بحدوث حالات تجاوز أثناء تنفيذ عناصر الجمارك لمهامهم، مؤكداً أن هناك حالة من التشدد في التعامل مع أي مخالفة أو حالة تجاوز يرتكبها عنصر في الجمارك، وهناك عقوبات رادعة تجاوزت كل ما هو معمول به سابقاً، من إيقاف عن العمل والنقل والتسريح من الخدمة لتصل العقوبات الحالية إلى الحبس ولمدة زمنية تتجاوز السنة، كل ذلك في إطار ضبط ممارسات العاملين في الجمارك أثناء تنفيذهم للمهام الموكلين بها، وعدم حدوث حالات تجاوز، مبيناً أن إدارة الجمارك جاهزة لاستقبال أي شكوى عن أي ملاحظة حول العمل الجمركي والتحقيق الفوري في المخالفات واتخاذ إجراءات فورية في المحاسبة والمعاقبة في حال ثبوت ارتكاب مخالفات.
وكشف كسيري في هذا الإطار عن اتخاذ جملة من العقوبات بحق عدد من العناصر الذين ثبت عليهم بعض الملاحظات خلال الفترة الماضية وتمت محاسبتهم واتخاذ عقوبات شديدة بحقهم، مبيناً أن هناك متابعة ورصداً لتنفيذ المهام الجمركية ومدى التقيد بالتعليمات الناظمة لعمل العناصر، وخاصة أن إدارة الجمارك ذهبت باتجاه تركيز عمل الضابطات بالقرب من المعابر والطرقات والمنافذ التي تمر عبرها المهربات لقدرة الضابطات على التعامل مع الكثير من الظروف والحالات المختلفة من التهريب على حين تم التركيز على تنفيذ الحملات على المحال وعلى الأسواق المحلية وخاصة مدينة دمشق على عناصر مكافحة التهريب.
وبالانتقال مع معاون المدير العام للجمارك عن الجهة المعنية بالتعامل مع المهربات من مادة التبغ في الأسواق بيّن أن هناك حالة من التنسيق مع المؤسسة العامة للتبغ «الريجة» حول ذلك لكونها الجهة المعنية بشكل مباشر في مكافحة التبغ المهرب، لكن عناصر الجمارك معنيون بضبط أي حالة تهريب للتبغ يتم كشفها أو الإخبار عنها حيث تتم مصادرتها وتقييم الغرامات عليها وإرسال القضية للمؤسسة العامة للتبغ لمتابعة القضية واتخاذ الإجراءات الخاصة بها.