تنمية إدارية و4 سنوات من التنظير
عامر إلياس شهدا
عندما تعلن وزيرة التنمية الإدارية بأكثر من مناسبة أن الإصلاح الإداري يؤدي إلى زيادة الأجور والرواتب معتقدة أنها تضرب على الوتر الحساس، هذا الأمر يعتبر ألف باء الاقتصاد.
أما بموضوع عدم فهم مشروع الإصلاح الإداري فيعود لمروره بمرحلة التأسيس التي لا يلحظها إلا المعنيون، وتتابع وزيرة التنمية مسوغة الاتهامات على أنها ردة فعل طبيعية لكون عمرها 4 أعوام وتنظم عمل وزارات عمرها 90 عاماً.
اسمحي لنا، فتطوير البنى التنظيمية الوزارية مفتاح الإصلاح الإداري أمر صحيح، ولكن تطوير البنى التنظيمية يجب أن يكون أولاً مبنياً على إستراتيجيات واضحة للوزارات حتى تكون البنى فعالة، والمشكلة أنه في الوقت الحالي ليس لدى الوزارات رؤى ثابتة ولا إستراتيجيات واضحة، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم توافر دراسات وبحوث جدية يتم التخطيط على أساسها، وبالتالي هناك شح حقيقي في الكوادر البشرية المتمكنة من موضوع التخطيط، وحتى التطوير الإداري المتوقع بآليات العمل هناك تصور عنه ولكن بأضيق الأمور، وهو بالأصل يفتقر إلى تقديرات للتغيير المتوقع على مستوى الطلب الاجتماعي.
لذلك نعتقد أنه بفرض تم إقرار هياكل تنظيمية مدروسة وسليمة، إلا أن المشكلة الرئيسية والمفصلية هي الكوادر والأفراد، فنحن بالواقع نعاني عدة مشكلات نتاج الأزمة وهذه المشكلات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند البدء بمشروع الإصلاح الإداري:
1- تآكل الموارد البشرية وانقراض الخبرات والكفاءات الحقيقية إضافة إلى تآكل موارد الخزينة العامة للدولة رافق ذلك زيادة في أعبائها ومسؤولياتها.
2- عدم توافر فريق عمل متفاهم ضمن الوزارة الواحدة ما يستوجب خلق ثقافة مؤسسية جامعة كخطوة أولى. والعمل على محاربة تدخل أطراف خارج الوزارات تدعم بولاء جماعة داخل الوزارة، والمشكلة الأكبر التي نعانيها ويجب القضاء عليها للانطلاق بمشروع الإصلاح الإداري تكمن في أن المعطيات والمعلومات والدراسات التي تبنى عليها الخطط أصبحت قديمة وبسبب الظروف الحالية لا شيء جديداً، نظراً لتحكم الظروف وآنية القرار بما يتوافق مع ما تفرضه الظروف التي تعتبر شاذة وناتجة عن وضع شاذ، أدى إلى عدم وجود خطط سليمة، لذلك فإن إعادة الهيكلة بغياب خطط سليمة لن تكون الحل وإنما ستكون خلقاً لمشكلة أعمق.
3- مشكلاتنا اليوم تغيرت عن عام 2001، و2010 كان هناك موارد على المستوى المالي والبشري والطبيعي، رافق هذه الموارد سوء إدارة وهدر وفساد، اليوم تراجعت الموارد بشكل كبير وارتفع الفساد والهدر وبالتالي انتقلنا لمستوى أعمق من الإشكالية التي أصبحت بحاجة لحلول على مستوى التخطيط قبل أن يتم الحديث عن التنظيم.
4- إن التصريح بعدم فهم المشروع لمروره بمرحلة التأسيس التي لا يلحظها سوى المعنيين، يعتبر خطأ جسيماً فالإصلاح الإداري كأي منتح يجب أن يتم تسويقه بشكله الصحيح للمعنيين وللمجتمع من خلال توصيف حقيقي وواقعي للحالة التي نهدف لإصلاحها، فالإصلاح الإداري هو مطلب اجتماعي يخضع لقانون السببية والمنطق العام، فسبب المطالبة بالإصلاح الإداري ناتج عن معاناة المجتمع والمؤسسة من الإدارة، والمنطق العام يقول بضرورة الإصلاح الإداري الذي من المفترض أن تنعكس نتائجه على المجتمع، فما مسوغ عدم الشرح للمجتمع ليفهم ما مسوغ حصر ذلك بالمعنيين فقط؟ أليس هذا الأمر يشير إلى فصل بين المنفذ للإصلاح وبين من عليه تقييم هذا الإصلاح؟ على اعتبار أن الهدف النهائي للإصلاح يجب أن يصيب المجتمع قبل المعنيين؟ لذلك يجب أن يطلع المجتمع بشكل واضح على الخطوات والآليات والإجراءات الهادفة للإصلاح الإداري، لا بل يشترك بشكل فعلي وأساسي في هذا المشروع ليكون مقبولاً من المجتمع قبل أن يكون مقبولاً من المعنيين، ولا نعتقد أن شرح خطة التغيير وشرح التنمية الإدارية للمجتمع يعتبر خرقاً لسرية ما.
بكل الأحوال إلى الآن لم نرَ نتائج رغم مرور أربع سنوات من التنظير وطرح لجمل أكاديمية لا تتعدى كونها تسويقية لطارحها، ويبدو لنا أن وزارة التنمية الإدارية سيئة الحظ، فالسياسة التي اتبعها السلف نراها في الخلف، لذلك لم نصل إلى النتائج، فالإصلاح الإداري بحاجة إلى استقرار حقيقي تنتج عنه خطط وإستراتيجيات ذات مدد زمنية محددة بعيدة كل البعد عن إدارة تحكمها الظروف التي تجبرها على اتخاذ قرارات آنية تصيب حل مشكلة أو تخفف من آثاره، وبالتالي فمشروع الإصلاح الإداري غير المحدد بمدة زمنية للانتهاء منه ما هو إلا مضيعة للوقت.
فها نحن نتكلم عن دليل وتنظيم بغياب رؤى وإستراتيجيات ودراسات جدية نستند إليها لوضع الخطط.
بغياب ذلك نعتقد أن المولود سيكون مسخاً.