رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشعب: أرقام مفاجئة من اختصار بند المحروقات في الجهات العامة – الحكومة تتجه لـ «شد الحزام» تجاه النفقات الإدارية وترشد المواد المستوردة وتوقف عقود التراضي
رئيس جهاز الرقابة المالية: الحدّ من عقود التراضي يضبط التلاعب والمناقصات هي الشكل الأمثل للتعاقد
الاقتصادية
علمت «الاقتصادية» من مصادر حكومية أن الحكومة قررت تقليص النفقات الإدارية للوزارات والإدارات العامة، وخاصة تجاه المواد المستوردة من قرطاسية ومواد ضيافة، وذلك بهدف تخفيف أعباء فاتورة الاستيراد.
وفي هذا الصدد، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء بـلاغاً منذ أيام إلى الجهات العامة طلبت بموجبه تخفيض الصرف بنسبة 50 بالمئة من الاعتمادات المخصصة لمواد القرطاسية والمطبوعات والأدوات المكتبية والدعاية والضيافة والمؤتمرات في الجهات العامة ذات الطابع الإداري، وما يقابلها في حسابات الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019.
وقالت المصادر: إن هناك جدية عند مجلس الوزراء لـ «شد الأحزمة» وتوفير المال العام وإعادة توجيهه نحو الأولويات التي وضعت لمواجهة الحرب الاقتصادية التي تواجهها سورية، واشتدت في الآونة الأخيرة، ولا سيما تجاه أولوية توفير المواد الأساسية للمواطنين تنفيذاً لتوجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، والعمل على تنمية الاقتصاد السوري من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
وأضاف المصدر: إن الحكومة اتخذت العديد من القرارات خلال الأيام الأخيرة من شأنها أن تنعكس، خلال وقت قصير، إيجاباً على المواطن، وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وأكدت المصادر أن رئيس مجلس الوزراء عماد خميس اعتمد برامج عمل تنفيذية للوزارات من شأنها تفعيل آليات عمل وأدوات الوزارات، وتحديداً الإنتاجية والخدمية منها لتلبية حاجة السوريين في مختلف المناطق من خلال إشراك المجالس المحلية مع الإدارة المركزية في وضع حلول تخفف من أعباء الأزمة.
كما علمت «الاقتصادية» أن عدة مشاريع استثمارية سيتم تأجيلها وإعادة تخصيص المبالغ التي كانت مرصودة لها باتجاه مشاريع خدمية وتنموية في الزراعة والصناعة، ودراسة إجراء مناقلات في الموازنة العامة للدولة نظراً لتبدل الأولويات، ودخول سورية في مرحلة المواجهة الاقتصادية، حيث بات دعم المواطن في معيشته وتوفير مستلزماته الأساسية، وإيجاد فرص عمل في المدينة والريف، هي الأولوية للحكومة في الوقت الحالي، إضافة إلى برنامج كامل تم وضعه لـ «الاكتفاء الذاتي» يقلص من الاستيراد واستخدام القطع الأجنبي إلى حدوده الدنيا.
ومن المتوقع أن تستخدم الحكومة، إضافة لما ستوفره من مال نتيجة القرارات الأخيرة، مبلغ ١٣٠ ملياراً الذي تم تحصيله من خلال شهادات الإيداع التي طرحها المركزي بفائدة سنوية 4.5 بالمئة، والتي ستذهب باتجاه تمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر تحقق نمواً للأرياف وريعاً اقتصادياً سريعاً يمكن المستفيدين منها من إعادة تسديد قروضهم التي ستكون بفوائد متدنية بالمقارنة مع الفوائد التي يتم التعامل فيها حالياً.
وختم المصدر بالقول: إن مشاريع زراعية صغيرة ومتناهية الصغر سيكون لها الأولوية في المرحلة القريبة وفق خريطة تنموية واضحة تتمركز في الأرياف التي عاد الأمن والاستقرار إليها، مع توجه حكومي بزراعة كل هكتار من الأراضي السورية، إضافة إلى تنمية الثروة الحيوانية، وإعادة الإنتاج إلى معامل القطاع العام التي كانت متوقفة، وذلك من خلال الخبرات المحلية التي تمكنت خلال الأشهر القليلة الماضية من إعادة تشغيل عدة خطوط إنتاج، ووفرت بذلك ملايين الدولارات التي كانت تحتاجها لإعادة تشغيلها.
أرقام مفاجئة
صرّح رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشعب حسين حسون لـ «الاقتصادية» بأن الغاية من بلاغ رئاسة مجلس الوزراء (2/15/ ب) الصادر مؤخراً هو توجيه الإنفاق الحكومي نحو المطارح ذات الأولوية، والمتعلقة بالإنتاج بشكل رئيس وتعزيز مستوى الخدمات للمواطنين، واختصار المطارح التي فيها هدر وعدم انضباط بالإنفاق، بما يتوافق مع المرحلة الراهنة ومعطياتها، وهذا أمر ضروري ومهم جداً، منوهاً بأن اختصار الإنفاق الإداري فيما يخص القرطاسية والضيافة والمؤتمرات هو بداية لاختصار المزيد من البنود ذات الأولوية الأقل، وهذا ما حدث العام الماضي، عندما تم اختصار نصف الإنفاق الخاص بالمحروقات في المؤسسات الحكومية، والذي ستظهر له نتائج غير متوقعة وصادمة لجهة مبالغ الوفر الكبيرة.
وأكد حسون أن الحكومة تتجه إلى اختصار الورقيات قدر المستطاع، والتحول إلى اعتماد شامل للمراسلات الإلكترونية، وهذا يوفر مبالغ ليست هينة أبداً، نظراً لتكاليف الكبيرة للورق والأحبار، والهدر في استخدامها.
ونوّه حسون بأن إجمالي الإنفاق الإداري يبلغ 272.98 مليار ليرة سورية في موازنة العام الجاري (2019) وهناك نفقات تحويلية بنحو 93 مليار ليرة سورية، جزء منها مخصص لدعم الأنشطة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية يمكن اختصارها هي الأخرى.
ولفت إلى أن إجراء المناقلات في الموازنة العامة للدولة ضمن الباب الواحد هو أمر حكومي داخلي، ويخص كل وزارة، إذ إن مجلس الشعب وافق على الأرقام النهائية لكل باب، في حين إنه يوافق على المبدأ العام للمناقلات بهدف ضبط الإنفاق العام والحدّ من الهدر.
وبالرجوع إلى بيان الحكومة المالي للموازنة العامة للدولة للعام 2019 تبين أن بند الإنفاق على القرطاسية محدد بمبلغ 9.2 مليارات ليرة سورية، وحدد مبلغ الإنفاق على الدعاية والضيافة والمؤتمرات بمبلغ 440 مليون ليرة سورية، ما يعني أن البلاغ السابق يوفر على الأقل 4.8 مليارات ليرة سورية، كخطوة أولية، على حين إن المرتقب هو توسيع الدائرة من خلال المناقلات المزمع إحداثها، ولا سيما في ظل وجود بنود في باب النفقات الإدراية لم يشملها البلاغ تصل إلى 12.54 مليار ليرة سورية للنفقات الإدارية المتنوعة ونحو 29 مليار ليرة للنفقات الإدارية الخاصة، و23.3 مليار ليرة لنفقات الصيانة، وفيما يخص الصيانة مثلاً، بين حسون أن ضغطها لمصلحة كتلة الرواتب والأجور يعتبر أولوية.
وهناك أيضاً في موزانة العام الجاري اعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية خصص لها نحو 434 مليار ليرة سورية، يمكن الاستفادة منها في المناقلات لمصلحة بنود أكثر أولوية بما ينسجم مع التوجه الحكومي.
عقود التراضي
كان رئيس مجلس الوزراء قد أصدر تعميماً للحدّ من توقيع الوزارات والإدارات العامة عقوداً بالتراضي والالتزام بقانون العقود ومواده، ما قد يوفر مئات الملايين من الليرات على خزينة الدولة، لكنه قد يؤثر أيضاً في توريد البضائع، وخاصة أن نظام العقود في سورية والمناقصات ولجانها تستغرق وقتاً طويلاً قبل توقيع أي عقد مع الدولة وبدء التوريد والتنفيذ، الأمر الذي كان يتم الالتفاف حوله من خلال العقود بالتراضي، حيث للوزراء صلاحية توقيع عقود بمبالغ محددة من دون اللجوء إلى المناقصات العامة.
وفي هذا السياق، صرّح رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد برق لـ «الاقتصادية» بأن الحدّ من توقيع الوزارات والإدارات العامة عقوداً بالتراضي والالتزام بقانون العقود ومواده يسهم بالتأكيد في ضبط حالات التلاعب التي يمكن أن تحدث في إبرام هذا النوع من العقود، مؤكداً أن المناقصات هي الشكل الأمثل لإبرام العقود، بحيث يتم اختيار أفضل العروض المالية والفنية المقدمة لإبرام العقود.
خبير قانوني متخصص في العقود صرّح لـ «الاقتصادية» بأن القانون رقم 51 لعام 2004 الخاص بنظام العقود للجهات العامة حدّد 11 حالة للتعاقد بالتراضي وذلك في الفقرة /أ/ من المادة 39، تشمل احتياجات الجهة العامة المطلوبة المحصور صنعها أو اقتناؤها أو الاتجار بها أو تقديمها أو استيرادها بشخص معين أو شركة معينة أو جهة معينة أو عندما تقضي الضرورة شراءها في أماكن إنتاجها، وعندما تكون هناك أسباب فنية أو مالية أو عسكرية مهمة تستوجب قيام جهات معينة بتأمين احتياجات الجهة العامة، وعندما تكون احتياجات الجهة العامة المطلوبة تستهدف القيام بأبحاث أو تجارب، ما يتطلب اتباع أسلوب معين في التنفيذ بعيداً من الأسلوب المعتاد، وفي شراء العقارات عندما لا يكون هناك نفع عام يجيز استملاكها وبعد الاستناد لتقديرات تضعها لجنة مختصة في مجال شراء العقارات يشكلها آمر الصرف لهذا الغرض، وفي استئجار العقارات.
وتشمل حالات عقود التراضي أيضاً فشل المناقصة أو طلب العروض لمرتين متتاليتين على أن يتم التعاقد بالتراضي بالشروط والمواصفات المحددة نفسها في دفتر الشروط الخاصة والإعلان، وحالات عقود الشحن وفي عقود التأمين على البضائع المشحونة، في الحالات الطارئة التي تستوجب سرعة مبررة عندما لا يمكن تقديم المواد أو إنجاز الخدمات أو تنفيذ الأشغال بالطرق الأخرى بالسرعة المطلوبة، إضافة إلى عقود توريد المواد الخاضعة لبورصة عالمية، وعندما يكون تنفيذ الاحتياجات المطلوبة استكمالاً لمشروع معين قيد التنفيذ بتعهد سابق إذا كانت هناك ضرورات فنية وواقعية تستدعي استمرار المتعهد في القيام بالأشغال الجديدة، علماً أن تقدير الأحوال تلك يعود إلى آمر الصرف الذي قد يكون وزيراً أو محافظاً أو رئيس بلدية أو مديراً عاماً… إلخ.
ونوّه الخبير القانوني بأن الفقرة /ج/ من المادة نفسها أعطت الوزير صلاحيات مفتوحة للتعاقد بالتراضي، إذ نصت على أن «يجوز التعاقد بالتراضي في الحالات الأخرى التي يعود تقديرها للوزير المختص نتيجة دراسة تبريرية توضح الحاجة التي تدعو لاتباع هذا الأسلوب متضمنة الأسس الواجب اعتمادها في تحديد السعر وسائر الشروط الأخرى».
أما بعد التعميم الأخير، فإن هذه الصلاحيات سوف تحدّ، وسيصبح أمر عقود التراضي بعهدة رئاسة مجلس الوزراء، على الأغلب، لمنح موافقات على عقود بالتراضي، وهذا يعني مركزية شديدة في هذا المجال، من الناحية القانونية، لكن، بالتأكيد هناك مسوغات للحكومة لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
ونوّه بأن باب التلاعب في عقود التراضي مرتبط بالسلطات التقديرية للجهات المعنية بعقد هذا النوع من العقود، مشيراً إلى أنه لو تم تحديد سقف محدد من قيمة عقود التراضي لا تخضع لهذا التعميم فقد يكون الوضع أيسر لجهة تسيير بعض الأمور لدى الجهات العامة، مثلاً كل العقود فوق مبلغ 10 أو 20 مليون ليرة سورية، مبيناً أن سقف الشراء المباشر لوزير يصل إلى مليوني ليرة سورية، وهي خاضعة للتعميم.
يشار إلى أنه يجري التعاقد بالتراضي إما بتنظيم عقد تذكر فيه الالتزامات والحقوق بصورة واضحة، وإما بتعهد يحرر على دفتر الشروط الخاصة يتضمن قبول المتعهد بالالتزام وفقاً للشروط الخطية المتفق عليها، وإما بالمراسلة وفقاً للأصول التجارية عندما يتم التعاقد مع الأسواق الخارجية.
ختاماً
مع صدور مثل هذه القرارات، تكون الحكومة قد أعلنت حالة استنفار عامة للحفاظ على موارد الدولة وترشيد استخدامها، مع ضرورة وضع حدّ للهدر ومكافحة الفساد، وإعادة توجيه الاستثمار، بحيث يكون خدمة للمواطن والاقتصاد الوطني وليس لأشخاص استغلوا الحرب والحصار على سورية، ليحققوا مكاسب مادية كبيرة، وألحقوا أضراراً بالخزينة العامة للدولة.