مكاسب الحرب لم تنته
ليون زكي
ما تشهده الساحتان السياسية والاقتصادية في الملف السوري من تهافت الدول والكيانات على النيل من لقمة أبنائها وتأزيم خروجها من نفق الحرب إلى بوابة البناء، ما هو إلا محاولات لعرقلة استعادة سورية لعافيتها ولكسب كعكة من حصة الإعمار وتحقيق مكاسب اقتصادية، تارة عبر تغليظ العقوبات الاقتصادية وتارة أخرى من خلال إطالة أمد الحل المرتقب.
من المبكر القول إن الحرب في خواتيمها وإن ما يحدث مجرد إرهاصات وتداعيات لما بعد الحرب التي لم تنته بعد، بل دخلت مرحلة جديدة أكثر صرامة وإيلاماً بحق المواطن الذي يراد منه مرات عديدة دفع ضريبة صبره وصموده وتغلبه على محن سنوات من الاقتتال والتهجير والفقر والحصار، ومنع الاقتصاد ومؤسسات الدولة من امتصاص تداعيات جولة جديدة من تحكيم الميدان على لغة التفاوض والعقل حتى آخر نفس من الإنهاك والاحتضار.
الحرب بملامحها الجديدة على سورية، هي حرب على إعادة إعمارها وحتى الاستثمار فيها بدليل فرض عقوبات أوروبية جديدة وفريدة من نوعها طالت مستثمرين وشركات استثمارية في مجال التطوير العقاري وترهيب أي شركات من دخول السوق السورية وتحت أي مسميات عبر قانون «قيصر» الأميركي وغيرها من إجراءات الحصار العقابية التي نالت من استجرار المشتقات النفطية لخلق أزمات معيشية مستمرة.
وسارعت دوائر الضغط الخارجية الفاعلة في الملف السوري إلى خلق حال من عدم الاستقرار الداخلي من خلال افتعال تفجيرات والتحريض على «نظام» الحكم عبر إظهار عجز الحكومة السورية في تأمين حاجات أساسية من مازوت وغاز وكهرباء وزيادة الرواتب والضغط على العملة الوطنية لمنع استقرار سعر صرفها لوقف عجلتي التجارة والصناعة بعد دورانهما أخيراً بعدما مورست ضغوط كبيرة على عواصم عربية استدارت باتجاه دمشق للحؤول دون عودتها إلى حضنها العربي وجامعتها العربية ووقف فتح مزيد من السفارات فيها أو تشغيل رحلات طيران منها وإليها إثر عزلة استمرت ثماني سنوات.
والأشد خطراً، إيهام القاعدة والحاضنة الشعبية بأن الدولة، التي انتصرت على تعاضد وتآمر إرهاب أكثر من 100 دولة حول العالم عليها، ما هي إلا دولة «فاشلة» بسبب الحرب ودولة «قتل ورمال»، بحسب توصيف الرئيس الأميركي دولاند ترامب الذي لا خبرة له بتاريخ دمشق وسورية التي صارعت تدخل وهمجية كل حضارات العالم القديم والاستعمار الجديد وخرجت منتصرة متجددة بفعل جبروت أبنائها وإرادة الإنسان السوري المتجذرة جيناته بصنع الأبجدية والحضارة على الدوام.
وتصب مساعي النظام التركي لإقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي في حلب والرقة والحسكة والتهديد بالسيطرة على مناطق شرق الفرات في خانة اقتسام حصة من ثروات البلاد وإعادة إعمارها وسلخ أجزاء من سورية للاستعاضة عن خسارتها لحلب، الغصة في حلق رجب طيب أردوغان، بخلاف ما يدعي بأنه حريص على وحدة تراب سورية الوطني وتخليصه من الإرهاب الذي فتح الحدود على مصراعيها لعبوره إليه.
وكما أفشلت سورية رهان إسقاطها بيد الإرهاب على الرغم من ضراوته وطول أمده، ستسقط حتماً رهانات استعادة ما تبقى من أراضيها الخارجة عن سيطرة حكومتها وإعادة بناء اقتصادها وبنيته التحتية والالتفاف على العقوبات والانطلاق بشكل فاعل في إعادة بناء الحجر والبشر معاً بهمة أبنائها المخلصين ومساعدة أصدقائها الذين ساندوها في حربها على الإرهاب.
والمطلوب مزيد من شد الأحزمة والتحلي بالصبر على الشدائد الراهنة والقادمة لدرء خطر داهم وأكبر على مستقبل ووحدة سورية وخلاصها الحتمي من مآزق الحرب ورسم سياسات اقتصادية بعيدة المدى لمواجهة تحديات قادم الأيام تأخذ بالحسبان تحقيق الاكتفاء الذاتي ودعم الصناعة ومحاربة الفساد لتخفيف الأعباء على المواطنين والاتجاه الاقتصادي بشكل جدي نحو الشرق ودول أميركا اللاتينية وتوثيق وتمتين التعاون الاقتصادي مع التكتلات الاقتصادية الناشئة، التي ستنافس نظيرتها المناوئة لسورية، مثل «منظمة شنغهاي» و«الاتحاد الأوراسي» وغيرها.
ليون زكي
ليون زكي