التحايل على تسجيل التجار لعمالهم «فن».. أصبح أولاد التجار وبناتهم عمالاً في التأمينات
مدير التأمينات: حتى لو كانت تسهيلات العمال «صورية» فلا مشكلة! .. القلاع يطلب من أعضاء مجلس الشعب تعديل مشروع قانون تنظيم الغرف
محمود الصالح
وفاء جديد
أثار التوجه الحكومي بإلزام أصحاب العمل وخاصة التجار بتسجيل عمالهم في التأمينات الاجتماعية، كل بحسب درجته؛ موجة من الاعتراضات في الوسط التجاري، ما دفع عدداً من التجار إلى مطالبة غرفة تجارة دمشق واتحاد غرف التجارة برفع مذكرة حول الموضوع، على حين تبرر الحكومة هذا التوجه لتنظيم العمل التجاري بما يضمن مصحلة كل أطراف العملية التجارية.
وفي هذا السياق رصدت «الاقتصادية» آراء التجار والأطراف الحكومية حول الموضوع، والبداية من اتحاد غرف التجارة، إذ صرّح رئيس الاتحاد غسان القلاع بأن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بصدد تعديل قانون تنظيم الغرف الذي يرجع تاريخ إصداره إلى عام 1959، حيث رأت أن هناك ضرورة للتعديل لأن يصبح لكل تاجر مسجل في غرف التجارة عدد من العمال يتناسب مع درجته، مشيراً إلى أن التجار في السوق منقسمون إلى عدة فئات، فئة ليس لديها عمالة إطلاقاً، فلماذا يتم إلزامها بتسجيل عمال؟ وفئة تعمل وشركاؤها أو أولادها، ومن ثم هم ليسوا عمالاً، بل أصحاب العمل، ولذلك حصل تضارب في الأفكار والآراء، مؤكداً أنه ليس هناك بالضرورة شيء يلزم أي تاجر بأن يكون لديه عمال، فالصناعة تحتاج إلى عدد من العمال بحسب حجم المشروع، أما التجارة، فليس بالضرورة أن يكون هناك عدد من العمال يلزم صاحب العمل بتشغيلهم.
ولفت القلاع إلى عدم وجود ما يسمى «عمال وهميون أو حالات وهمية» لأن ذلك غير ممكن، موضحاً أن التسجيل في التأمينات الاجتماعية يستوجب دفع الاشتراكات الشهرية وهذا لا يمكن أن يكون وهمياً.
وبين أن الاتحاد طالب وسيطلب وسيستمر بالطلب بأن يعاد النظر بالتعديلات على قانون تنظيم الغرف لتتناسب مع حاجة السوق ومتطلبات المسجلين بالغرف، لكن القرار النهائي بيد الوزارة، مؤكداً أن الاتحاد أبدى عدة تحفظات وطرحها للوزارة ولكن لم يؤخذ بها، فربط السجل التجاري والتسجيل في غرف التجارة بالتأمينات الاجتماعية وبراءة الذمة من الدوائر المالية يعد سابقة لم يعمل بها في أي بلد من البلدان، كما أنه لم يؤخذ بالحسبان حالة المناطق المتضررة كالقابون والحجر الأسود والمنطقة الصناعية، فضلاً عن أن هناك مناطق ساخنة ليس فيها عمالة، وهناك محال تجارية ومعامل هجرها أصحابها نظراً للأضرار التي وقعت بها، ولكن هذا لم يحل بينهم وبين الحصول على شهادة التسجيل في غرفة التجارة، هذه الحالة لم تؤخذ بالحسبان أيضاً.
ولفت القلاع إلى أنه ليس هناك ربط بين السجل التجاري والتسجيل في غرف التجارة مع التأمينات الاجتماعية وبراءة الذمة من الدوائر المالية، فالمكلف بالدخل المقطوع يستطيع أن يدفع كل عام حسب تكليفه، لكن المكلف بضريبة الدخل على الأرباح الحقيقية قد لا ينظر في إضبارته قبل ٤ أو ٥ سنوات، إذاً كيف سيحصل على براءة الذمة؟
ونوه القلاع بأن مشروع القانون قد أحيل إلى مجلس الوزراء منذ تاريخ ٢ كانون الثاني من العام الحالي، وسينظر إليه في مجلس الوزراء، ثم يعاد إلى مجلس الشعب لدراسته وإقراره، وطالب القلاع مجلس الشعب بتعديل المشروع، مؤكداً أن بإمكان المجلس إحداث تغييرات في هذه التعديلات، لأنه يملك صلاحية إصدار القوانين.
ولفت القلاع إلى وجود طلبات من بعض التجار لتخفيض درجاتهم من الدرجتين الأولى والثانية إلى الدرجة الرابعة، لكون الدرجة الرابعة تحتاج عاملاً واحداً فقط، ولحاجتهم الضرورية للتسجيل بالغرفة، مؤكداً أن ذلك سوف يؤثر في الغرفة سلباً، لأن رسوم اشتراك التاجر ذي الدرجة الرابعة أقل من نظيرتها للتاجر المسجل بالدرجة الأولى والثانية.
وأوضح أنه سيكون هناك انحسار في عدد المسجلين بالغرف، ومن ثم ستنخفص الموارد المالية، بحيث لا يمكن مواجهة المتطلبات المالية فيها من نفقات ومصاريف ورواتب وأجور، والأيام القادمة ستبين هذا الانحسار والانكماش في الإيرادات، مشيراً إلى أن هناك اتهامات لغرف التجارة واعتبارها السبب وراء هذا الاقتراح، حيث إن مجموعة لا يستهان بها من التجار ظنت أن هذه التعديلات من صنع الغرف، موضحاً أن الغرف ليست طرفاً في هذا الموضوع على الإطلاق، فالمبادرة بالتعديلات جاءت من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
ولفت القلاع إلى أن قانون تنظيم الغرف رقم ١٣١ لعام ١٩٥٩ تواكب مع صدور قانون التأمينات الاجتماعية عم ١٩٥٩، مشيراً إلى أن منذ ذلك التاريخ حتى الآن لم ينتبه أحد إلى ضرورة دمج التأمينات بالتسجيل بغرف التجارة، مؤكداً عدم ضرورة ذلك على الإطلاق، وبين أنه من المطلوب إعادة النظر بالقرار والنقاط التي عدلت قانون تنظيم الغرف والعودة إلى القرار السابق، لكونه يتناسب مع حركة السوق ومتطلبات التجار المنتسبين للغرف.
«التأمينات»
أكد المدير العام للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يحيى أحمد لـ«الاقتصادية» أنه خلال السنوات الماضية من الأزمة كان التسرب كبيراً جداً في العمالة، وقد يصل إلى 70 بالمئة من العاملين في القطاع الخاص، حيث خسرت المؤسسة اشتراكات هؤلاء، ودفعت لهم تعويضاتهم أو رواتبهم حسب الحال، ونتيجة الأعمال الإرهابية وتدمير المنشآت الإنتاجية أصبح آلاف العمال من دون مورد رزق، لذلك توجهوا إلى التأمينات الاجتماعية للحصول على تعويضاتهم أو معاشاتهم التقاعدية، وتم إعطاء الجميع حقوقهم كاملة وبتسهيلات كبيرة جداً، حيث يقدر عدد من تم منحهم تعويض دفعة واحدة بحدود 60 بالمئة من العمال في القطاع الخاص و40 بالمئة حصلوا على رواتب تقاعدية لأنهم حققوا شرط الحصول على الراتب.
وعن عدد المشمولين بالمظلة التأمينية في القطاع الخاص بين أن معظم العمال في سورية قبل الأزمة كانوا مشمولين بالتأمينات الاجتماعية، وبالرغم من توقف الكثير من المنشآت، لكن هناك الكثير من أرباب العمل انتقلوا بنشاطهم الاقتصادي من مكان إلى آخر، ومعهم انتقل العمال، وفي الوقت ذاته هناك أصحاب أعمال دمرت منشآتهم ولم يتقدموا ببيان وقف العمل، لكن صدور القانون رقم 4 لعام 2016 وتجديد العمل به حتى الآن أعطى جميع أرباب العمل الفرصة للتصريح بتوقف أعمالهم ويتم إلغاء المبالغ المترتبة على صاحب العمل (اشتراكات وفوائد) من التاريخ الذي توقفت فيه الأعمال بشكل فعلي، وهناك لجنة في وزارة الشؤون لهذه الغاية وبلغ عدد قرارات إغلاق المنشآت حتى الآن 250 قرار إلغاء وفق القانون رقم 4 لعام 2016.
وكشف عن تسجيل 178.9 عاملاً جديداً من القطاع الخاص في جميع المحافظات باستثناء الرقة ودير الزور وإدلب، حيث تم من الأول من أيلول الماضي وحتى السابع عشر من كانون الثاني من هذا العام تسجيل 38472 عاملاً في دمشق و29357 عاملاً في ريف دمشق و38790 عاملاً في حلب و12778 في طرطوس و14737 في اللاذقية و10357 في حمص و16767 في حماة و1113 في درعا و237 في القنيطرة و677 في الحسكة و347 في القامشلي و15272 في السويداء.
يضاف هذا الرقم إلى المشتركين القدامى من القطاع الخاص والبالغ عددهم 487 ألف مشترك، وبذلك يصبح عدد العمال المشمولين بالمظلة التأمينية من القطاع الخاص 666 ألف عامل والقطاع العام مليوناً ومئة ألف، والمتقاعدون 500 ألف.
وحول إذا ما كان يمكن أن تتحول العملية إلى حالة من الصورية بهدف حصول صاحب العمل على بيان من التأمينات، أوضح أحمد أنه لا يمكن أن تكون العمالة المسجلة وهمية وليس فيها أي خطورة، ومادام رب العمل يسدد الاشتراكات عن هذا العامل ولم يعد قادراً على شطبه إلا بتقديم عامل بديل يسجل محله، لأن قاعدة البيانات لا يجوز أن تتغير إلا في حال أغلق المنشأة وألغى سجله التجاري، لذلك لن يستطيع رب العمل شطب العمال عن ذمة المنشأة بعد حصوله على بيان التأمينات، وهناك حالات لا يمكن أن يكون فيها أسماء وهمية، فمثلاً عند وجود شركة نقل تملك 50 سيارة نقل عام فلا يتم تجديد رخصة هذه السيارات، إلا إذا كان هناك سائقون بالعدد نفسه مؤمن عليهم باسم الشركة.
ورأى أحمد أن إلزام التسجيل بالتأمينات هو خطوة صحيحة لتنظيم القطاع التجاري، ويجب أن تبادر مختلف الجهات الأخرى التي تستخدم عمالاً لديها إلى إلزام أرباب العمل بتسجيلهم، لأن في ذلك تطبيق لنص قانون التأمينات الاجتماعية، وهذه ليست بدعة أو اجتهاداً من أحد، والغاية الكبرى لكل ذلك هو تشميل أكبر عدد ممكن من أبناء الطبقة العاملة بالمظلة التأمينية، لأنه وخلال الأزمة تبين أنه لولا هذه المظلة لكان السلم الاجتماعي مهدداً بشكل كبير جداً، لذلك يجب أن نوفر الحماية لعمالنا وعائلاتهم من بعدهم من البقاء من دون مورد رزق في حال فقدانهم لأعمالهم لأي سبب كان، أو وصولهم إلى سن التقاعد، والحقيقة أنها ليست الخطوة الأولى، لأننا قمنا بالخطوة نفسها في العام قبل الماضي مع وزارة التجارة الخارجية، حيث تم إلزام كل مستورد بتسجيل العاملين في مؤسسة لدى التأمينات الاجتماعية.
«التموين»
صرّح مدير الشركات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أيمن أبو زيتون لـ«الاقتصادية» أن تعميم الوزارة جاء بهدف ضمان حماية العمال الذين يعملون لدى أصحاب الشركات أو المؤسسات التجارية أو المنشآت، سواء كانت أنشطتهم تجارية أم صناعية أو حرفية أو سياحية.. وغيرها، وللحفاظ على حقوق رب العمل وبهدف تنظيم العمل بالسجل التجاري، مؤكداً أن هذا الإجراء قانوني ومنطقي وعملي، إذ إنه من غير المقبول أن تكون هناك شركات أو صاحب عمل وليس لديه سجل تجاري وعمال مسجلون في التأمينات الاجتماعية حتى ولو كان عاملاً واحداً.
ولفت إلى أن سبب إصدار هذا القرار في الوقت الحالي بعد تجاهله لفترة طويلة كان بهدف تنظيم وتوحيد جهود الحكومة وكل الوزارات بتطبيق القوانين والأنظمة النافذة ولا سيما فيما يخص وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وللمساهمة في ضمان حماية العمال والمشتغلين لدى أصحاب العمال.
ونوّه بإيجابيات هذا القرار أهمها ضمان حماية العمال وإيجاد تجار وأصحاب فعاليات تجارية أو اقتصادية حقيقية، كما أنه يصب في مصلحة التاجر والعامل معاً، إذ يجب التسجيل في التأمينات الاجتماعية حتى لو كان عاملاً واحداً في النشاط، وفي حال لم يكن هناك عامل يسجل صاحب الشركة أو التاجر نفسه أو أخاه أو أحد أولاده الذين يعملون معه وفقاً لأحكام قانون العمل.
وبين أن الأموال التي يتم تحصيلها لقاء تسجيل العمال لدى التأمينات الاجتماعية هي أموال خاصة ذات نفع عام، لذا فإن الهدف من ذلك ليس تحصيل الأموال بل تطبيق القوانين والأنظمة النافذة على النحو الأمثل.
وأكد أن هذا التعميم صدر بالتنسيق الكامل مع اتحاد غرف التجارة، حيث عقدت الوزارة اجتماعاً مع مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية بتاريخ 4/12/2018 وتم الاتفاق أن يتم ربط طلب وثيقة التأمينات الاجتماعية بالسجل التجاري، وهناك موافقة على هذا التعميم بكتاب صادر عن اتحاد غرف التجارة رقم (13/3) تاريخ 28/1/2019، لافتاً إلى أن الاتحاد لم يتحفظ على التعميم المذكور بل على العكس من ذلك، حيث إن الاتحاد الذي يضم كل رؤساء غرف التجارة رفع في اجتماعه المؤرخ في 15/1/2019 مذكرةً للوزارة تتضمن موافقة وتأييد مجلس إدارة غرف التجارة على تعميم الوزارة.
وفيما يتعلق بالحالات الوهمية لتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية، نفى أبو زيتون إمكانية ذلك، موضحاً أن تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية يتم بعد تقديم الوثائق اللازمة للمؤسسة والتي لديها الوسائل اللازمة للتأكد من ذلك، مؤكداً أنه ليس من مصلحة أحد تسجيل أسماء وهمية أو أشخاص وهميين.
ولتسويق هذا القرار عند التجار، أشار إلى أن هذا التعميم تم على دوائر الشركات وأمانات السجل التجاري كافة، وعلى اتحاد غرف التجارة السورية وغرف التجارة بالمحافظات التي عليها الدور الأكبر في توعية التجار لجهة نشر ثقافة التسجيل في السجل التجاري، إضافة إلى ثقافة تسجيل العمال في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وبالتالي إيجاد فعاليات اقتصادية حقيقية لا وهمية، مؤكداً التشاركية والتنسيق الكامل مع غرف التجارة في المواضيع كافة التي تهمُّ التجارة.