خطة لإعادة تأهيل المنطقة الحرة السورية الأردنية من التخريب واتخاذ القرارات الكفيلة بإطلاق عملها في أسرع وقت
لماذا تأخر افتتاحها وتشغيلها حتى الآن رغم فتح معبر نصيب الحدودي منذ ثلاثة أشهر؟
هيثم يحيى محمد
بعد أن تمت إعادة فتح معبر نصيب بين سورية والأردن منتصف شهر تشرين الأول من العام الماضي باتت الحاجة ملحة لإعادة افتتاح وتشغيل المنطقة الحرة السورية الأردنية التي تعتبر المحرك الأساس لحركة الترانزيت عبر المرافئ والأراضي السورية باتجاه الأردن وما بعده وعبر الأراضي الأردنية باتجاه سورية وما بعدها، إضافة لدورها الاستثماري المهم.. فمن خلال تواصلنا مع العديد من شركات الترانزيت تبين أن فتح معبر نصيب يبقى ناقصاً إذا لم تفتح وتشغّل المنطقة الحرة المشتركة.
6500 دونم
في مادتنا لهذا العدد من «الاقتصادية» نسلّط الضوء على هذه المنطقة بدءاً من تأسيسها وحتى الآن بعد الحصول على كل المعطيات والمعلومات المتعلقة بها من الجهات ذات العلاقة وبعد التعاون في هذا المجال مع صاحب ومدير عام شركة (الناصر للنقل الدولي والترانزيت) عضو مجلس الشعب السوري ناصر سليمان الذي يعتبر من أهم المستثمرين في هذه المنطقة.
تأسست شركة المنطقة الحرة السورية الأردنية استناداً لاتفاقية التعاون الاقتصادي وتنظيم التبادل التجاري الموقعة بين الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية عام 1975 كشركة مساهمة محدودة المسؤولية ذات شخصية اعتبارية وقانونية تتمتع بجميع الحقوق والصلاحيات للقيام بأعمالها وباستقلال مالي وإداري، ويدير الشركة مجلس إدارة مؤلف من ستة أعضاء، ثلاثة يمثلون الحكومة السورية وثلاثة يمثلون الحكومة الأردنية ورئاسة المجلس بالتناوب كل سنتين من طرف والمدير العام من بلد المقر (سورية).
تقع المنطقة الحرة على الحدود المشتركة للبلدين (نصيب-جابر) محاذية للمركز الحدودي وتبلغ مساحتها6500 دونم ستة آلاف وخمسمئة دونم وهي مستملكة من البلدين بالتساوي.. يتوافر فيها ساحات وقاعات معاينة ومستودعات وقبانات أوزان الشاحنات وطرق معبدة وجميع خدمات البنية الاستثمارية ويتوافر فيها بنية تحتية متكاملة من ماء وكهرباء وصرف صحي واتصالات بين البلدين، كما يتوافر فيها بوابة على الجانب السوري وبوابة على الجانب الأردني وتقوم البوابات بخدمة المستثمرين من خلال عناصر مشتركة بين البلدين فيها.
تم افتتاح المنطقة أمام المستثمرين في 26/5/2000.. وخلال فترة قصيرة جداً استطاعت أن تستثمر المرحلة الأولى والبالغة نحو 1500 دونم وبدأت بتطوير المرحلة الثانية والبالغة 2500 دونم.
وقد ساهم نشاط المنطقة الحرة السورية الأردنية في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين من خلال تحقيق أهدافها في تنشيط واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية للبلدين والمساهمة في تعزيز الدور الريادي للقطاع الخاص وتشجيع قطاعات النقل والموانئ والمرافئ في البلدين إضافة لقطاع الخدمات المختلفة وفيما يلي لمحة عن كل قطاع:
قطاع النقل
يعد أهم القطاعات الرئيسية التي انعكس عليها تطور العمل والاستثمار في المنطقة الحرة، حيث بلغ عدد السيارات (الشاحنة) الداخلة والخارجة من المنطقة الحرة وإليها من البلدين (سورية-الأردن) خلال عام 2010 على سبيل المثال أكثر من 150 ألف شاحنة.. وبإيرادات أكثر من 20 مليون دولار لهذا القطاع لكل بلد.. وهذا يمثل ثمن أجور نقل البضائع الواردة إلى المنطقة الحرة والخارجة منها أي ما مجموعه نحو 40 مليون دولار.
قطاع الموانئ والمرفأ
انعكس نشاط المنطقة الحرة السورية الأردنية على الموانئ وخاصة مرفأ طرطوس وميناء العقبة.. حيث كانت المنطقة الحرة السورية الأردنية مقصداً لحوالي 65 بالمئة من واردات مرفأ طرطوس من البضائع المختلفة.. التي كانت تمثل نحو70 بالمئة من مستوردات واحتياجات الأردن من السلع والمواد الإستراتيجية مثل: (الحديد بأنواعه- الرخام- الخشب- الأعلاف- الفحم الحجري والكبريت وعجائن الورق وبعض المواد الغذائية – والموارد الأخرى…).
وكانت الأردن تستورد أغلب هذه المواد عن طريق مرفأ طرطوس حتى تتجنب المرور بقناة السويس التي تتطلب وقتاً ورسوماً إضافية كرسم عبور ومرور كانت تنعكس سلباً على ثمن البضائع والمواد وكان الفرق بين الاستيراد عن طريق مرفأ طرطوس وميناء العقبة يتجاوز 25 دولاراً للطن.. لذلك تم أحداث خطوط ملاحية جديدة باتجاه مرفأ طرطوس انعكس ذلك على زيادة حجم عمل مرفأ طرطوس.
قطاع الخدمات
لعبت العملية الاستثمارية في المنطقة الحرة السورية الأردنية دوراً مهماً وحيوياً في تفعيل وتنشيط القطاعات المرافقة الخدمية الأخرى (التخليص– الترانزيت- التأمين- الرافعات- المقاولة…).. إضافة إلى زيادة رسوم العبور والمرور والجمارك.
وقد بلغت قيمة الإيرادات غير المباشرة المحققة لقطاع الخدمات خلال عام 2010 نحو 30 مليون دولار تقابلها القيمة نفسها من الجانب الأردني.
العمالة
تمثل العمالة إحدى أهم الفئات المستفيدة من تشغيل المنطقة الحرة السورية الأردنية، فقد وفرت فرص عمل لما يزيد على ستة آلاف عامل جلّهم من الجانب السوري.
واقع النشاط الاستثماري
بلغ عدد المستثمرين من المنطقة الحرة أكثر من500 مستثمر في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية إضافة إلى المودعين الذين يخزّنون بضائعهم فيها لحين إعادة تصديرها أو التخليص عليها.
كان حجم التجارة وقيمة البضاعة الداخلة والخارجة من المنطقة الحرة السورية الأردنية وإليها في عام 2010 ما قيمته نحو 5 مليارات دولار.. ودخل إلى المنطقة الحرة في العام نفسه أكثر من 3.5 ملايين طن من البضائع المختلفة.
الإيرادات المباشرة
حققت المنطقة الحرة السورية الأردنية إيرادات تشمل البدلات التي تستوفيها من خلال استثمار الأرض وبدلات التنازل والدخول وغيرها علماً أنها أقل من بدلات المناطق الحرة الأخرى المجاورة.. حيث بلغت نحو 6.5 ملايين مقابل نفقات أقل من مليوني دولار في عام 2010.
وبلغت موجودات المنطقة الحرة السورية الأردنية بعد تسديد العجوزات السابقة كافة نحو 35 مليون دولار.. واستطاعت المنطقة الحرة خلال فترة وجيزة تحقيق الغاية المرجوة من إحداثها، حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 20 بالمئة سنوياً.
وقد صنفت كأفضل منطقة عربية في عام 2007 حيث استطاعت أن تحقق أهدافها رغم محدودية مواردها وتواضع إمكانياتها.
ونتيجة ذلك قامت المنطقة العربية للتنمية الأردنية بتعميم تجربتها بدراسة تفصيلية لطريقة عملها. كما أكد الاتحاد العربي للمناطق الحرة ذلك خلال دعوتها لشرح طريقة عملها والأسلوب العلمي في الاستفادة من مزاياها وموقعها الجغرافي الذي انعكس إيجابياً على عملها.
كما طلبت وزارة التنمية الإدارية في جمهورية مصر العربية من إدارة المنطقة الحرة السورية الأردنية للاطلاع على هذه التجربة للاستفادة من الخبرات الفنية في إدارة واستثمار المناطق الحرة.
التخريب والتدمير من الإرهابيين
وفي بداية عام 2011 ونتيجة للظروف التي طرأت بعد الأزمة والحرب التي تعرضت لها سورية تأثرت المنطقة الحرة تأثراً كبيراً انعكس سلباً على أدائها.. فقد تعرضت لتأثير مباشر من خلال قيام المجموعات الإرهابية بسرقة الشاحنات المحملة الداخلة والخارجة من الجانب السوري والحدود البرية المختلفة والشاحنات المتجهة من الموانئ إليها، ما أثر سلباً في عملها وفي أداء العاملين فيها الذين أصبحوا يتعرضون لضغوط وفقدان حقيقي للأمن نتيجة الفوضى التي انتشرت في محافظة درعا، وانخفض مستوى العمل إلى أقل مستوياته ورغم ذلك فقد كانت نتائج موازنة عام 2011 و2012 و2013 من دون عجز وحققت أرباحاً بسيطة.
هذه الأحداث أثرت في أداء العاملين وخاصة تنقلهم من المنطقة الحرة وإليها ما اضطرهم للذهاب إلى الأردن حتى يستطيعوا الدخول إليها من البوابة الأردنية بعد أن تم استهداف العاملين فيها واستشهاد بعضهم واختطاف بعضهم الآخر.
وقد التزموا بالدوام فيها من خلال وجودهم في الأردن والقيام بأعمالهم على أحسن وجه واستطاعوا خلال الفترة من عام 2012 ولغاية بداية 2015 من الالتزام بالدوام وتيسير الأمور بشكل مقبول لأن المنطقة الحرة كان مخزناً فيها ملايين من الأطنان من البضائع المختلفة، إضافة إلى العديد من السيارات التي كانت مخزنة فيها لغاية دخولها إلى قطر.
وأمام كل هذه التحديات والتهديدات استطاع العاملون فيها من المحافظة على البنية التحتية للمنطقة الحرة وتأمين احتياجات المستثمرين كافة ضمن الحد الأدنى.
لكن في الشهر الرابع من عام 2015 قامت المجموعات الإرهابية المسلحة بالدخول إلى المنطقة الحرة السورية الأردنية ومركز حدود نصيب وتم نهب وتخريب الموجودات للمستثمرين وتدمير كل ما تم بناؤه وتجهيزه وسرقة كل موجوداته وتدمير البنية التحتية فيها.. ما اضطر إدارة المنطقة الحرة لاستئجار مكتب في محافظة إربد لتسيير أمور المستثمرين.. وبقي الموظفون السوريون موجودين في الأردن نتيجة الظروف الطارئة التي حدثت.. حيث كانت المجموعات الإرهابية مسيطرة على المنطقة الحرة ومركز الحدود بنصيب والمناطق المحاذية لها ولم يعد يستطيع الموظفون السوريون الموجودون في الأردن من العودة إلى محافظة درعا نتيجة إغلاق مركز الحدود في نصيب بعد سيطرة المجموعات الإرهابية عليه وبعد أن حرر الجيش العربي السوري المنطقة من الإرهابيين أعيد افتتاح معبر نصيب بين البلدين وما زال المستثمرون بانتظار إعادة افتتاح المنطقة الحرة كما ذكرنا.
رد وزارة الاقتصاد السورية
تابعنا هذا الموضوع مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية وسألنا عن الإجراءات التي قامت وتقوم بها الوزارة بالتنسيق مع الجانب الأردني لإعادة فتح وتشغيل المنطقة من دون تأخير.. ورداً على هذا السؤال أجابنا الدكتور محمد سامر الخليل بكتاب خطي تضمن ما يلي:
(بالتأكيد تحظى المنطقة الحرة السورية الأردنية بأهمية خاصة ليس فقط في ضوء ما أشرتم إليه بما يتعلق بحركة الترانزيت والتجارة وإنما في ضوء الدور الذي كانت تقوم به أيضاً في الجانب الاستثماري ودوره في تنشيط قطاع الخدمات واستقطاب الأيدي العاملة.. ومن هذا المنطلق تم تأسيس شركة المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة بناء على اتفاق التعاون الاقتصادي وتنظيم التبادل التجاري الموقّع بين سورية والأردن بموجب القانون 21 لعام 1975 في سورية والقانون رقم 5 لعام 1976 في الأردن كأحد مرتكزات العمل العربي المشترك.. وقد خرجت المنطقة الحرة المشتركة من الخدمة عام 2015 نتيجة دخول الجماعات الإرهابية إليها، وبعد أن تم تحرير المنطقة الجنوبية من الإرهابيين على يد الجيش العربي السوري وإعادة فتح معبر نصيب الحدودي بتاريخ 15/10/2018 تم التنسيق مع إدارة الشركة لحصر الأضرار وتقديم خطة عمل لإعادة تأهيلها وترتيب الأولويات التي يجب أن يتم البدء بها، علما بأن قراراً كان قد اتخذ يقضي بعدم توزيع الأرباح التي حققتها الشركة خلال السنوات السابقة لخروجها من الخدمة، ليتم استخدامها في إعادة تأهيل المنطقة الحرة وتأمين جاهزيتها لاستقبال الاستثمارات من الجانبين السوري والأردني ومن الدول الصديقة والشقيقة وعودة العمل الاستثماري فيها بعد تعرضها لأضرار كبيرة نتيجة أعمال التخريب والسرقة والنهب والتدمير الناجمة عن دخول الجماعات الإرهابية إليها، ويجري العمل على إعداد خطة لإعادة تأهيل المنطقة ومعالجة وضع المستثمرين فيها ولتأمين متطلبات البنى التحتية اللازمة واتخاذ القرارات التي تضمن المباشرة بإطلاق عملها بأسرع وقت ممكن).
ختاماً
نأمل أن يعاد إطلاق العمل بهذه المنطقة خلال فترة قصيرة جداً من الآن، وأن يكون ما قاله وزير اقتصادنا «بأسرع وقت ممكن» سريعاً حقاً وليس بطيئاً نظراً لأهمية هذه المنطقة من جوانب مختلفة.