شؤون محلية

معركة إعادة الإعمار.. قيد التحضير .. التعويل على «البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب» والتساؤلات حول تأمين التمويل

قطان: التحديات ضخمة ولا خيار أمامنا إلا أن نواجهها الجلالي: لابد من الوصول إلى وسائل تمويلية من خلال الاقتراض

سيلفا رزوق

مع وصول الحرب على سورية إلى خواتيمها، بدا أن الحكومة السورية أمام معارك كبرى، لن تكون أقل جدية وصعوبة من الحرب التي شنت على البلاد.
وفي هذا الإطار يتصدر ملف إعادة الإعمار حديث الورشات والمنتديات والاجتماعات الرسمية والاقتصادية، التي تجهد جميعها في تقديم رؤى وطروحات يمكن لها أن تساعد في وضع اللبنة الأولى على طريق إعادة إعمار ما خربه الإرهاب.
وعلى الرغم من أن الحديث في هذا الملف خلال الفترة السابقة كان كفيلاً بفتح شهية المستثمرين الراغبين في تحقيق أرباح يضمنها الخوض في هذا الملف، غير أن الحرب الاقتصادية التي أعلنتها واشنطن على سورية، وتسليط سيف العقوبات من جديد، وتخصيص جزء كبير من هذه العقوبات على المستثمرين في القطاع العقاري، وضع جميع الطروحات التي كانت قيد التداول على محك التنفيذ الحقيقي، ويبدو أنه سيدفع بالضرورة بالحكومة للتفكير في مناح وسبل جديدة للاستثمار وفقاً للإمكانيات المتاحة، ومعه اتخاذ قرارات «الضرورة» بما يتناسب مع الإمكانات الاقتصادية المتوافرة.
ملف إعادة الإعمار ومعه تنظيم السكن العشوائي سيشكل أحد أكبر التحديات القادمة بلا أدنى شك، «الاقتصادية» حاولت البحث في الحيثيات الحكومية المتوافرة، والخطط الموضوعة على طريق إعادة البناء والتعافي من جديد.

الأرقام تتحدث

وفقاً لكل الإجابات التي حصلت عليها «الاقتصادية» فإن إحصائيات دقيقة وواضحة لحجم الأضرار بمساكن المواطنين التي تسببت بها الحرب على سورية لم يتم الوصول إليه، رغم الجهود المتواصلة التي ستفضي بالضرورة للوصول إلى أرقام دقيقة يحدد بموجبها طبيعة التوجه الحكومي القادم، الإحصاءات توقفت على الضرر الذي جرى للأبنية الحكومية والبنى التحتية، غير أن أرقام الدعم الجزئي الذي قدمته الحكومة حتى نهاية 2016 للمتضررين، يمكن أن يشكل مؤشراً في مكان ما، لكنه لا يقدم تقييماً واضحاً لحجم ونسبة الأضرار عن الممتلكات الخاصة.
وبحسب الإحصاءات التي حصلت عليها «الاقتصادية»، فقد بلغت قيمة التعويضات التي جرى صرفها عن الأضرار الخاصة بلغت 18.8 مليار ليرة بنسبة إنجاز 62.6 بالمئة، بينما انخفضت نسبة مساهمة المنظمات الدولية بهذا الإطار لنحو ستة مليارات ليرة فقط.
الجرد الأولي للوزارات حول حجم الضرر الذي لحق بقطاعاتها، أظهر أن الأضرار المباشرة بلغت 8.5 تريليونات ليرة، على حين بلغت الأضرار غير المباشرة 40 تريليون ليرة، وذلك حسب القيمة الدفترية، أي التكلفة بتاريخ تنفيذ المشروع.
هذه الأرقام لا تقدم كما أسلفنا أي معطى دقيق لحجم الأضرار التي خلفتها الحرب، لكنها تؤشر بالضرورة لكم التحديات الحكومية المنتظرة.

الرؤى الحكومية ولجنة إعادة الإعمار

في حديث أجرته «الاقتصادية» مع معاون وزير الإدارة المحلية للشؤون الفنية معتز القطان، أكد ضرورة التمييز بين مفهومين يثيران اللغط، بين عمل لجنة إعادة الإعمار، وبين خطة إعادة الإعمار، منوهاً بأن لجنة إعادة الإعمار هي لجنة طارئة تشكلت لمعالجة وضع استثنائي من تداعيات الحرب، وكانت مهمتها معالجة طلبات المواطنين الذين تضررت أبنيتهم الخاصة من خلال تحمل جزء من تكلفة الضرر الذي وقع، والنقطة الثانية هي بالتدخل الإسعافي الفوري لإعادة تأهيل المرفق العام المتضرر الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ويتطلب معالجة فورية لإعادة تأهيله ضمن الحدود الدنيا التي تجعله مستمراً بعمله، أي مهمتها التدخل الطارئ الإسعافي لإبقاء شبكة البنى التحتية الأساسية لتأدية مهامها.
وبخصوص إعادة الإعمار فقد بدأ التفكير جدياً به بعدما تمكنت الحكومة من الخروج تدريجياً من ضغط المعالجات اليومية الطارئة الملحة، ومع تحسن الوضع الأمني مباشرة جرى التصدي لمشروع «البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب»، وتشاركت به كل إدارات الدولة في خمسة محاور، وكل محور يعمل به عدد من فرق العمل إجمالي الفرق بلغ 12 فريقاً، ضمن مجموعة من المراحل التي سيتصدى لها هذا المشروع، وهي مرحلة الإغاثة ومرحلة التعافي ومرحلة الانتعاش وصولاً إلى مرحلة الاستدامة التنموية التي ستعيد الاقتصاد السوري للحالة التي كان عليها.
قطان لفت إلى أن رؤية الحكومة لإعادة الإعمار هو مخرج ونتاج عمل الحكومة في البرنامج الوطني التنموي، الذي أنجز قسم مهم منه، والمتابعة جارية به، وهو محدد بأطر زمنية معروفة، وبنهاية هذا البرنامج سيقترح المشروع كيفية التدخل الحكومي بكل مرحلة من المراحل، مرحلة الاستجابة للاحتياجات الطارئة والتعافي، ومرحلة الانتعاش وصولاً لمرحلة الاستدامة المخطط أن تتم في عام 2030، وبكل مرحلة من المراحل معرفة المشاريع التي ستدخل بها الحكومة وكيفية تأمين التمويل لهذه المشاريع.
وكشف القطان عن أنه جرى توقيف دفع التعويضات للمواطنين المتضررة بيوتهم الذي كان مستمراً من عام 2012 حتى نهاية 2016 بداية 2017، حيث لم يصرف في عام 2017 أي تعويضات، وجاء التوقيف وبحسب رأي لجنة إعادة الإعمار بعد الوتيرة العالية من الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش، حيث اتخذ قرار بأن يتم الاستثمار والاستفادة من الكتلة المالية التي يجري إعطاؤها للمواطنين في إعادة ترميم البنى التحتية فلا معنى لإعطاء تعويض لترميم البيوت إذا لم يكن هناك بنى تحتية من مياه وصرف صحي وغيرها، مشيراً إلى أن الطلبات التي كانت تقدم ويصرف عليها تعويض هي الطلبات للتعويض في المناطق الآمنة والتي يمكن للجهات المعنية الكشف عليها وإحصاؤها، وتقدير حجم الضرر فيها، أما مناطق الاشتباكات والمناطق خارج السيطرة فلم يجر صرف تعويضات لها.
وأعاد القطان التأكيد أن جميع الطلبات التي جرى تقديمها للتعويض منذ عام 2017 حالياً لم يصرف لها تعويض لكن مبدأ صرف التعويض لم يتوقف.
وبخصوص المنظمات الدولية فقد أشار قطان إلى أنها ما زالت تسهم بجزء في إعادة الإعمار ضمن خطط الاستجابة المعمول بها لكنها قليلة ولا تقارن على الإطلاق بما تقدمه الحكومة السورية، والمساهمات الدولية عبر خطة الاستجابة السنوية يتفق عليها بين الحكومة وهذه المنظمات للقطاعات التي تهتم المنظمات العاملة فيها.

دور الوحدات الإدارية

معاون وزير أوضح أن الوحدة الإدارية المنتخبة من الأهالي هي صاحبة الصلاحية في تحديد شكل التدخل، وهي صاحبة القرار سواء بإعادة الأهالي لمنازلهم وترميمها أم الطلب باتجاه إعداد دراسات تنظيمية جديدة وإحداث منطقة تنظيمية، فإذا ما اعتبرت أن الأضرار بسيطة وتريد إعطاء ترخيص للأبنية لإعادة ترميمها فهذا من حقها، أي إن الأمر بيد الساكنين والقانون يخول الوحدات الإدارية باتخاذ القرار.
قطان أشار إلى معضلة مناطق السكن العشوائي، على اعتبارها إحدى المعضلات الكبيرة، وهي كانت كذلك حتى قبل الأزمة، وكانت من العناوين التي تتصدر المشكلات الأساسية التي من واجب الدولة التصدي لها.
وبين أنه بالنسبة للخيارات المتاحة لمعالجة هذا الموضوع كان هناك خيار الاستملاك وهو خيار غير مقبول، وكذلك خيار تطبيق القانون 23 لتنفيذ التخطيط وهذا يحتاج إلى الكثير من الإجراءات، وكان هناك خيارات اعتبارها منطقة تطوير عقاري، واليوم جرى منح التراخيص لنحو 6 شركات تطوير عقاري من القطاع العام، ونحو 47 شركة قطاع خاص، بحيث بات بإمكانهم الاستفادة من القانون 15، لكن حتى الآن لم تتقدم أي شركة لتطوير منطقة سكن عشوائي، علماً أن مجلس مدينة حلب على سبيل المثال أعلن عن منطقة تطوير سكن عشوائي في الحيدرية لكن لم تتقدم أي شركة.
معاون وزير الإدارة المحلية عول كثيراً على «البرنامج الوطني التنموي» على اعتبار أنه سيجيب عن كل التساؤلات المرتبطة بالإصلاح ومكافحة الفساد والقطاع المصرفي والاستثمار، إضافة إلى خطوة إعادة الإعمار، وتهيئة الأرضية التشريعية لتشجيع المستثمرين للإقبال على الاستثمار، وختم حديثه لـ«الاقتصادية» بالقول: «التحديات ضخمة ولا خيار أمامنا إلا أن نواجهها».

الصورة كما يراها الأكاديميون

الباحث بالاقتصاد الهندسي الدكتور محمد الجلالي، أشار إلى مسألة إعادة إعمار المساكن يمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول التمويل، والجانب الآخر التخطيط والجانبان مرتبطان بصورة وثيقة
وبين الجلالي أن هناك بعض الأفكار يجري الترويج لها باعتبار أن بعض المناطق مدمرة وهناك من يقول إنه من المفترض إعادتها بتخطيط جديد، واعتبر أن تخطيط المناطق مجدداً يعني أننا نتحدث عن تمويل كبير وبوسائل غير تقليدية، وهذا على ما يبدو غير متوافر لأن التمويل وفي الحالة السورية بالفترة الأولى ينبغي أن يكون خارجياً وعبر دول صديقة وحليفة.
بالنسبة للتمويل الداخلي فهو عادة يكون من المدخرات أو الاحتياطي، والاحتياطي اليوم إذا ما ألقينا نظرة عليه يمكن أن نكتشف أنه لن يغطي منطقة واحدة من المناطق التي تعرضت للتدمير، وبالتالي لمثل هذا النوع من إعادة الإعمار نحتاج بالضرورة لتمويل قد يكون ربما من السوريين في الخارج وهؤلاء قادرون وهناك أرصدة للسوريين كافية لإطلاق عملية إعادة الإعمار.
بالنهاية ما يجب أن يكون واضحاً أن من سيدفع قيمة إعادة الإعمار هو المواطن، والدولة هي وسيط لكنها وسيط قوي يمكنها الحصول على قروض كبيرة، لكن في النهاية الأمر كله سيعود على المواطن.
الحالة الأخرى تكون بالاعتراف بأن المشكلة مجتمعية، بحيث يمكن للأشخاص الحصول على قروض صغيرة، والبدء بترميم المنازل عبر أفكار التطوير العقاري، لكن مبدئياً ينبغي إعادة الناس إلى بيوتها وفسح المجال لها لإعادة إعمارها، عبر الوصول إلى وسائل تمويلية من خلال الاقتراض والنظر لإمكانية إعطائهم قروضاً بفوائد ميسرة وإعادة المنازل إلى ما كانت عليه.
إعادة الإعمار وكما يقول الجلالي يحتاج إلى تمويل كبير، ولا يمكن علاج كل المشكلات دفعة واحدة، ما يمكن إنجازه هو السير خطوة خطوة، عبر دراسة وضع المنطقة وإعادة السكان، واعتبر أن على الدولة تنظيم الضمانات، عبر تنظيم صكوك الملكية بحيث يكون لها قيمة، وبالتالي يمكن رهنها للحصول على قرض.
ما يقال وبحسب الدكتور الجلالي هو طبيعة الشعب السوري الذي يحتاج ربما لمبلغ قد يبدو بسيطاً، يمكن أن يشكل دافعاً له للأمام، والبدء بإعادة ترميم منزله، بالطبع في حال عدم وجود تهدم بالهيكل الإنشائي.
الخلاصة والحل وبحسب الجلالي هو بإيجاد آلية للتمويل الأولي من خلال النظام المصرفي، وفي حال توافر وكما في دول أخرى، إعادة إعمار منهجية عبر منظمات دولية، أو عبر صندوق لإعادة الإعمار برعاية دولية أو دول صديقة، فيمكن أن يكون دوره عبر المساهمة بدعم المصارف في هذه المرحلة.

الطموح والواقع

القول إذاً: إننا سننظم كل شيء غير واقعي، ينبغي تقسيم المسألة وإعادة الناس لبيوتها، وهناك الكثير من المناطق لا تحتاج للانتظار ويمكن التحرك والسماح لأهاليها بالعودة.
المشكلة كبيرة ولا ينبغي التعامل معها باستسهال، والسوريون وبمساهمات بسيطة يمكن أن يعيدوا الحياة لشوارعهم وحاراتهم.
إعطاء تراخيص للمواطنين في مناطق السكن العشوائي قد يشكل أحد الحلول، وبهذه الحالة يمكن للمواطن نفسه البحث عن تمويل ذاتي وإعادة منزله.
خلاصة الأمر تقول: إن الاقتصاد هو موارد، وأي كتلة يمكن بسهولة أن تهدها وتحولها إلى أنقاض، لكن ذلك يعني رفع التكلفة وعندما يكون الوضع الاقتصادي مريحاً يمكن التفكير بإعادة الإعمار كلياً، أما في الحالة الاقتصادية الحاضرة فينبغي إعادة الناس لمنازلهم قبل التفكير بالتنظيم والهدم لأن تكلفة تنفيذ الطموحات والمخططات كبيرة جداً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى