شؤون محلية

ليس هناك بورصة واتجار ببيانات المكتب ولم نفصل أحداً لهذا السبب بل هناك بحكم المستقيل – مدير المكتب المركزي للإحصاء إحسان عامر: الرقم الإحصائي ليس لإرضاء الحكومة ولا يفصّل على مزاج أحد ولم يطلب أحد تعديل بيانات معينة

نحن مؤسسة لا يوجد فيها أحلام أو وهم والأرقام تصدر على مستوى وطني

| حاوره علي نزار الآغا

إحدى الإشكاليات التي برزت بقوة على السطح خلال الحرب، هي الإحصائيات الرسمية عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية في سورية، إذ منعت الحكومة المكتب المركزي للإحصاء من نشر البيانات لخمس سنوات تقريباً، ازدهرت خلالها التقديرات التي تنشرها بعض مراكز الدراسات والبحوث ووسائل الإعلام، كل بحسب مبتغاها، على حين دارت أحاديث عن نشاط للمتاجرة في البيانات الرسمية من البعض عبر بيعها للمنظمات ومراكز البحوث والإعلام.. وغيرها.
المشكلة الكبرى برزت بعد السماح للمكتب بنشر البيانات، إذ اتفق الكثير من الاقتصاديين والمهتمين على عدم دقتها ووصفها البعض بالوهمية، وخاصة المتعلقة بتعداد السكان والإنفاق.. وغيرها، وكأنها فصّلت لمصلحة بعض الأشخاص أو لإرضاء البعض.
«الاقتصادية» حملت تلك التساؤلات إلى مدير المكتب المركزي للإحصاء إحسان عامر وأجرت حواراً معه في دقائق الأمور استغرق أكثر من 3 ساعات متواصلة، فتح خلالها المدير قلبه بشكل شفاف، وأجاب عن كل التساؤلات، وفيما يلي نص الحوار:

حقيقةً، هل يؤخذ بأرقام مكتب الإحصاء في الحكومة؟ وإلى أي درجة تتحمل البيانات غير الدقيقة مسؤولية القرارات الخاطئة؟
يتساءل الكثيرون عن مدى دقة الرقم الإحصائي وتأثيره؟ وهل يؤخذ به أم لا؟ يمكن القول إن المكتب المركزي للإحصاء هو المؤسسة الرسمية الناطقة بالرقم الإحصائي في الجمهورية العربية السورية، وهي إحدى أذرع الحكومة، لذا فالرقم الذي يصدر عن المكتب يؤخذ به، لأنه يوضع وفق أسس علمية معتمدة، الأرقام الإحصائية كافة التي ينشرها المكتب بمتناول الحكومة ويؤخذ بها.

أسس المكتب عام ١٩٦٨، لذا هناك تراكم علمي ومعرفي في هذه المؤسسة، وهي كغيرها من المؤسسات؛ أحياناً يمر عليها مشكلات، وأحياناً تكون بقمة انتعاشها، والمكتب من الجهات التي تأثرت كثيراً خلال الحرب على سورية، ورغم ذلك، هناك استقلالية بعمل المكتب المركزي للإحصاء، ويتم اعتماد الأسس العالمية للإحصاء المتمثلة في الاستقلالية والشفافية وسرية البيانات الشخصية.

ما يجب أن نعرفه كجمهور وإعلام أن هناك مقاييس إحصائية تحدد إذا ما كان الرقم الاحصائي مقبولاً أو غير مقبول، وهل هو ضمن المقبول إحصائياً وعلمياً؟ وهنا يمكن القول إن هناك ارتيابات في الرقم الإحصائي، أي إنه يكون مقبولاً ضمن ارتيابات محددة بحسب طبيعة المسح وطبيعة الدراسة، ونحن ندقق هذا الموضوع علمياً، وكل الأرقام الصادرة عن المكتب تذهب للحكومة، وهي أرقام وطنية، مصنفة وفق تصنيفات عالمية، ولكن هناك أرقام تصدر عن وزارات تكون على مستوى الوزارة فقط.

هل تفصل البيانات أحياناً لإرضاء البعض مثلاً؟
الرقم الإحصائي لا يفصّل حسب مزاج الأشخاص، أولإرضاء شخص ما، ونحن نعمل وفق أسس علمية، ولم يتدخل أحد في البيانات، أو يطلب تعديلها، وأنا مسؤول عن كلامي، فالرقم الإحصائي الذي يصدر عن المكتب المركزي للإحصاء مبني على أسس وتصنيفات دولية.

يصف العديد من الاقتصاديين وغيرهم من المتابعين بيانات المكتب بالوهمية وغير الدقيقة، وبأن هناك فجوة كبيرة بينها وبين الواقع، فما ردكم؟
أي رقم يصدر عن المكتب يكون قد عمل به آلاف الناس، وهو مؤسسة، أي لا يوجد فيها أحلام أو وهم، كما أن الأرقام تصدر على مستوى وطني وليس على مستوى حي أو أسرة، وكذلك الرقم الإحصائي الذي يأتي من مؤسسات الدولة فمصدق عليه من المؤسسة أو الوزير المختص.

وماذا إن تم إخراج الأرقام في بعض المؤسسات وفقاً لمصالح شخصية؟
أثق برقم القطاع العام الذي يخرج بشكل صحيح بسبب وجود الرقابة، إذ يتم تدقيق ومتابعة للرقم، وفي حال لم يكن صحيحاً فيكون مقبولاً وليس بعيداً جداً عن الواقع، باختصار، عندما تكون القوانين والأنظمة التي تحكم العمل شفافة يكون العمل الإحصائي شفافاً.

نلاحظ اختلافاً كبيراً بين البيانات الصادرة عن المؤسسات الرسمية، مثل تلك المتعلقة بالصادرات والمستوردات، فما الرقم الذي تعتمده الحكومة؟
الرقم الإحصائي لا يصنّع ضمن المكتب المركزي للإحصاء، فعندما تأسس عام ١٩٦٨ كان القطاع العام هو المسيطر على الاقتصاد، ووفق مرسوم تأسيس المكتب، يجب أن يكون لدى كل وزارة أو مؤسسة في القطاع العام وحدة إحصائية تجمع البيانات للجهة العاملة بها، وترسل البيانات إلى المكتب الذي يقوم بتصنيفها وتبويبها وتجميعها على المستوى الوطني ونشرها، واليوم نجد مؤسسات عملت بالمرسوم، وأخرى لم تلتزم به، وحتى الآن هناك مؤسسات تعتبر العمل الإحصائي عملاً هامشياً، كما يعمل به غير المختصين.

وفيما يتعلق بالصادرات والواردات، فإن الجمارك هي الجهة التي تحكم هذا الموضوع، ونحن نحصل على البيانات منها، لكونها تجمع هذه البيانات على مستوى المنافذ الحدودية، وما يتم تصديره واستيراده عن طريق الجو والبحر وغيرها، وتصنفها حسب البلدان والجهات والسلع والمواد، بدورنا نأخذ بهذا التصنيف، ونصنفه بشكل محدد مرتبط بتصنيف الجمارك، وننشر البيانات.
ما حدث خلال الحرب وقبلها كان لدى مكتب تسويق النفط، وهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بيانات، لكنها منقوصة لأنها لم تأخذ من الجمارك، بل تخص هيئاتها فقط، ومع هذا التعدد ارتأى المكتب ضرورة الخروج برقم موحد، وأحدث لجنة للاتفاق على هذا الموضوع مكونة من الجمارك وهيئة دعم الإنتاج المحلي والصادرات ومكتب تسويق النفط ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والبنك المركزي، تقوم هذه اللجنة بمطابقة البيانات بين المكتب وهذه الجهات، وبعد أن توافق اللجنة على البيانات النهائية، يصدر رقم المكتب المعد بالإجماع.

أما اختلاف الأرقام بين الوزارات المختلفة والمكتب، فيمكن تقديم مثال وزارة الصناعة التي لا تسيطر على كل الصناعة إدارياً، فالصناعة الاستخراجية وبعض الصناعات التحويلية تتبع وزارة النفط والثروة المعدنية، وكذلك تعتبر المخابز والأفران من الصناعات المهمة لكنها تتبع لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والأمر ذاته لصناعة الإسمنت التي تتبع في جزء منها لوزارة الصناعة، وجزء آخر للمؤسسة العامة للإسكان، لذا فالرقم الذي تقدمه الصناعة يقتصر على الجهات التي تتبع لها، وهي منقوصة على المستوى الوطني، أما المكتب فيتبع التصنيف الدولي للصناعة، الذي يتضمن الصناعات كافة مثل الاستخراجية والتحويلية والماء والكهرباء، وكذلك المطاحن والمصافي والمخابز، هذا بالنسبة للقطاع العام، فضلاً عن الصناعات المتعلقة بالقطاع الخاص، أي إن المكتب المركزي للإحصاء يخرج برقم وطني شامل، وليس على مستوى وزارة أو مؤسسة.

لم يصدر عن مكتب الإحصاء بيانات لعدة سنوات خلال الحرب، فما كان يفعل في هذه الفترة؟
كان هناك قرار من اللجنة الاقتصادية بعدم نشر البيانات منذ بداية الحرب، والعام الماضي صدر قرار آخر من اللجنة الاقتصادية بنشر البيانات، وقد تم نشر المجموعات الإحصائية من العام عن سنوات الحرب السابقة كافة.

إن قراراً من اللجنة الاقتصادية بعدم نشر البيانات على مستوى إجمالي، جعلها محصورة بالحكومة، وقد التزمنا بهذا القرار، لكن عملنا لم يتوقف واستمررنا به، إذ لم تقطع سلسلة البيانات في البلد نهائياً، ونفذنا خلال فترة الحرب ولغاية تاريخه أكثر من ٦٠ مسحاً، كما أنتجنا كل المجموعات الإحصائية، وأجرينا بعض المسوح النوعية، واستطعنا من خلالها لحظ المؤشرات الديموغرافية والاقتصادية على المستوى الكلي، لكن ارتأت اللجنة الاقتصادية خلال العام الماضي أن نقوم بنشر البيانات، وعليه نشرنا المجموعات الإحصائية ونتائج مسوح الأعوام الممتدة بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٨، فلم يحدث أي انقطاع بالبيانات ونشرت كلها ونتائج المسوح، وكل ما قام به المكتب خلال فترة الحرب.

هناك مسوح تم تنفيذها بالتعاون مع الوزارات وجهات أخرى، مثل مسح حالة السكان الذي نفذناه عام ٢٠١٤ بالتعاون مع هيئة شؤون الأسرة، كما نفذنا المسح التغذوي مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وبرنامج الغذاء العالمي ٢٠١٥ و٢٠١٧، وهذا العام قبل شهر رمضان المبارك نفذنا البحث نفسه ميدانياً، وأنهينا مراحل التدقيق والترميز وإدخال البيانات، والآن نستخرج النتائج، كما نفذنا نهاية عام ٢٠١٧ مسحاً ديموغرافياً متكاملاً مهماً جداً على ٣٠ ألف أسرة وأصدرنا نتائجه والبيانات المتعلقة به.

يدور حديث بأن منع نشر البيانات فتح باب الاتجار بها، وأن هناك بورصة سرية لها، تم على إثرها فصل بعض العاملين بالمكتب بسبب تسريب الأرقام؟
غير صحيح، ليس هناك اتجار أو بورصة للأرقام، ولم نفصل أي عامل، لكن حدث تسرب في العمالة، لكن لم يتم تسريب البيانات مطلقاً، وإذا كانت بعض البيانات قد نشرت فإن أرقامها غير صحيحة وغير متطابقة مع أرقام المكتب، كما أن البيانات كانت لا تنتقل بين المديريات، فمثلاً عندما نرسل بيانات بتقرير إلى رئاسة الحكومة، لا أحد يطلع عليها أو يعلم بها سوى اللجنة الاقتصادية.

هناك موظفون أخذوا إجازات ولم يلتحقوا بعدها بالعمل، فتم اعتبارهم بحكم المستقيل، لكن هذا لا يعني أنهم سربوا البيانات، علماً بأن هناك منظمات دولية تصدر أرقاماً غير دقيقة، والحكومة لا تأخذ بها، فالعينة في المكتب المركزي للإحصاء تستهدف انتشاراً جغرافياً واسعاً، ويقوم المكتب بدراستها منطقياً، وهناك ما يتراوح أحياناً بين ٤٠٠ شخص يقومون بجمع البيانات وتدقيقها وترميزها، فالمسح الواحد يستغرق مدة زمنية تصل إلى ٧ أشهر لكي تصدر نتائجه وأحياناً أكثر من ذلك، وبعد كل ذلك يطعن بعض الأشخاص بالنتائج، فكيف هو الحال بالنسبة إلى مركز يستهدف أشخاص محددين مع تقديرات عشوائية غير دقيقة، فمراكز الدراسات تعطي رأيها من خلال استقصاء آراء قليلة مع العلم أن هذا ممنوع.

حقيقة، هناك مشكلة في الأرقام المتعلقة بالسكان، وقد لاقت انتقادات كبيرة، وخاصة تقدير المهجرّين بفعل الحرب الإرهابية على سورية، فما رأيكم؟
يحدث لبس عند الناس في رقمين حول السكان، هما الرقم الصادر عن سجل الأحوال المدنية، ورقم التعداد السكاني، وعليه يجب توضيح الفرق بينهما، فسجل الأحوال المدنية هو لكل مواطن سوري، سواء ولد أم توفي، ويسجل السوريين جميعهم، سواء كانوا على الأراضي السورية أم خارجها، على حين إن التعداد السكاني يمثل عدد السكان ضمن حيز جغرافي معين، وفي لحظة زمنية معينة، سواء كانوا ينتمون إلى هذا الحيز أم لا، لذا كنا نقوم بالتعداد بتعمد أن تكون لحظة إسناده الزمني في شهر أيلول كي يكون هناك استقرار سكاني يرجع إلى عودة موسم المدارس، ورقم التعداد هو الذي يؤخذ به تخطيطياً، لكن غاب هذا التعداد منذ ٢٠٠٤ وحتى الآن.

وتتمثل المشكلة التي يعاني منها المكتب في مدى توافر البيانات وخاصة بيانات السكان، فخلال الحرب أصبح هناك حراك سكاني كبير سواء داخل المحافظة الواحدة أو داخل القطر، أو إلى خارجه، لذا فإن رصد ومتابعة هذا الموضوع تتسم بصعوبة، وبالنظر إلى الدول التي دارت بها الحروب والمشكلات، نجد أنه لم يكن لديها دراسات إحصائية، لصعوبة تحقيق ذلك.
في مسح حالة السكان خلال ٢٠١٤، تبين معنا أن عدد المهاجرين وصل إلى مليونين ونصف المليون، ومع زيادة الهجرة إلى أوروبا، زاد عدد المهاجرين ليصل إلى ٤ ملايين ونصف المليون خلال ٢٠١٥ وفقاً لتقديراتنا، حيث شكلنا لجنة مكونة من هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومركز الإحصاء وهيئة شؤون الأسرة ووزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية، ووضعنا عدة سيناريوهات لتساعدنا في الوصول إلى رقم تقديري لعدد السكان، منها ما يتعلق بوزارة التربية ودخول الطلاب إلى المدارس، فكانت التقديرات توحي بتعداد سكاني يصل إلى 21.7 مليون نسمة، ونسبة الارتياب بهذا الرقم قليلة، وهذا لا يعتبر رقم تعداد بل رقم تقديري لعدد السكان، ووضع بناء على سيناريوهات وتقديرات مثل استهلاك السوريين للخبز، وتقارير الهجرة، ومعدل النمو السكاني، ثم طرحنا السيناريو المناسب.

وفقاً لوثائق الأمم المتحدة، فإنه من المفروض إجراء التعداد السكاني كل ١٠ أعوام، وآخر تعداد قمنا بإنجازه كان عام ٢٠٠٤، وتوجب أن نجري التعداد التالي خلال عام ٢٠١٤، لكن ما جرى هو أننا بدأنا أواخر عام ٢٠١٢ التحضير له، وتشكلت لجنة استشارية للتعداد تضم العديد من الوزارات، وبدأنا العمل على موضوع الخرائط والتقسيمات الإدارية، بعد ذلك اجتمعت اللجنة واقترحت تأجيله لحين تكون الظروف مستقرة وملائمة، وهذا الاقتراح طبيعي نظراً لعدم الاستقرار السكاني، ووافق رئيس مجلس الوزراء عليه.

لقد أصبح موضوع التعداد السكاني ملحّاً وضرورياً، وموضوع رصد التحركات السكانية يؤثر جداً عندما تظهر نتائج التعداد وتعطي خصائص ومؤشرات للسكان إضافة إلى تحديث الأطر (قوائم وجود الأسر والمنشآت وغيرها)، إذ تفيدنا هذه الأطر بإجراء المسوح بالعينة لعدم قدرتنا على إجراء تعداد سكاني كل عام، نظراً لتكلفته وصعوبته، ويتم إجراء مسوح بين التعدادات بالعينة وأحياناً تكون بعينة حصر شامل إذا كانت وحدات العد قليلة.

حقيقةً، الأطر متقادمة، فهي من ٢٠٠٤، وبسبب الحرب أصبحنا نعمل وفق عينات عشوائية وفق المناطق الجغرافية، لأن التعداد ضروري لمعرفة الناس في المناطق الجغرافية، وقد رفعنا مذكرة لرئاسة الحكومة، وهيئة التخطيط الدولي تتضمن كل عمليات التعداد وما يلزم هذه العملية من دعم، وأرى أن الحكومة جادة في هذا الموضوع.

لاقت نتائج المسح الديموغرافي المتكامل انتقادات واسعة بجهة عدم دقة بعض الأرقام، فهل تضعنا بصورة الأسس المعتمدة للوصول إلى تلك الأرقام وبخاصة الإنفاق الأسري؟
يستلزم قياس الإنفاق الأسري أن يجري الإحصاء مسحاً باسم دخل نفقات الأسرة، يعاد بشكل دوري كل ٥ سنوات، ويتم أخذ عينات من الأسر كل ٣ أشهر، ويتم وضع استبيان مفصل عن الإنفاق كل يوم بيومه لمدة شهر لدى كل أسرة، ليتم تسجيل الإنفاق اليومي، إضافة إلى استبيانات للإنفاق السنوي مثل الإنفاق على الأدوات المنزلية كالغسالة أو التلفاز، والإنفاق الربعي مثل المازوت.. إلا أن الحرب منعتنا من تنفيذ ذلك، وآخر مسح كان تنفيذه خلال 2009- ٢٠١٠ لكنه لم ينفذ ذلك لعدم الاستقرار السكاني.

طلب من المكتب بداية الحرب الوصول إلى تقدير للإنفاق، فقمنا بحسابه وفق التضخم والرقم القياسي دون تغير النمط الإستهلاكي، وتوصلنا إلى رقم أرسلناه للجهات المعنية، علماً بأن الأنماط الاستهلاكية تغيرت بشكل كبير بسبب الحرب.
أما المسح الشامل المنشور مؤخراً، وعرض لوسطي 115.9 ألف ليرة للإنفاق الشهري للأسرة، فهو تقريباً للحد الأدنى للإنفاق، وليس عما يجب أن تنفق الأسرة ليعود إنفاقها كالسابق، علماً بوجود تباين كبير في الانفاق بين الأسر ضمن العينة المدروسة.

أضف إلى ذلك موضوع إشكالي متعلق بعدد الوجبات، فهناك أسر تعتمد وجبتين وأخرى ٥ وجبات، لكن الفرق في محتوى الوجبات أثر في الإنفاق، فقد تكون خمس وجبات بسيطة جداً، ووجبتين غنيتين جداً في المقابل.
في النهاية، كل المسوح الإحصائية خلال فترة الحروب ويزداد هامش الارتياب فيها.

هناك تأخير في نشر البيانات ما يفقدها أهميتها، فهل سبب التأخير متعمد للتقليل من أهمية البيانات إعلامياً؟
أبداً، التأخير غير متعمد، وكل ما يتعلق بالبيانات الاقتصادية يتم نشره بشكل سنوي، ويغطي العام السابق للنشر، وذلك لعدم توافر بياناتها الكاملة فوراً، وإن الاعتماد على التنبؤات بالاقتصاد فيه مخاطرة كبيرة وخاصة منذ عام ٢٠١١ نظراً للتقلبات الهائلة في الاقتصاد خلال الحرب.

واليوم، هناك ٦٠% من مؤسسات الحكومة لم ترسل تقاريرها للمكتب لإنجاز المجموعة الإحصائية 2019 التي تغطي العام 2018، بسبب الظروف التي تمر بها البلد، لكننا نعمل ونتابع، ومتوقع أن تصدر خلال شهر أيلول.

هل برأيكم تغيير هيكلية المكتب وتحويله إلى جهاز هو الحلّ لمشكلاته أم إنه تغيير شكلي؟
منذ عام ١٩٦٨ حتى الآن لم يطرأ تعديل على مرسوم إحداث المكتب فمثلاً بقي الملاك العددي للمكتب على حاله، ولم يتجاوز ٦٨٤ عاملاً، فعند التأسيس كان عدد سكان سورية ٤ ملايين نسمة، وفيها أقل من 100 ألف منشأة، أما اليوم فنحن نتحدث عن 21.7 مليون نسمة، ومليون منشأة، وتغيرات كبيرة في الاقتصاد مثل تفعيل القطاع الخاص، ما يلزم دراسات نوعية، ورغم ذلك لم يزدد الملاك العددي، وبقي المكتب محكوماً بقانون منذ ١٩٦٨ فيه مكافآت وأجور ببضع ليرات سورية معمول فيها حتى الآن.

المكتب يحتاج إلى نظام مالي، لأن عمله مختلف عن إدارات الحكومة الأخرى، كما أن الباحث يلزمه تكاليف ومصاريف مالية لدفع المستحقات المترتبة على إجراء البحث، فهل يعقل أن مؤسسة فنية تنجز 13 مسحاً خلال السنة، إلى جانب العديد من الدراسات الإحصائية والفنية، وتقوم بالتأهيل والتدريب؛ تصنف كمؤسسة إدارية بدلاً من تصنيفها كمؤسسة علمية وفنية تطبق عليها قوانين مختلفة.

وفق نظام الإحصاء عالمياً، لا يجوز أن يتم اختيار شخص ما كمدير إلا بعد أن يكون قد مارس العمل لمدة ١٥ سنة، لكن ما يحصل لدينا هو أنه يتم اختيار مدير وبعد ٥ سنوات يستقيل ويصبح خبيراً خارج البلد، لذا يجب المحافظة على القيادات الإدارية والفنية.

لذا أردنا تعديل المرسوم واعتماد الأسس العالمية، فعدلناه وطرحناه على اللجنة الاقتصادية ٤ مرات، وترك للتريث، وبعد تشكل الحكومة الجديدة طلبت إعادة إحالته، فأنهينا المرسوم تماماً، وحصل على موافقة اللجنة الاقتصادية، ونوقش في مجلس الوزراء مرتين، أي تمت الموافقة عليه لكن لم يتم إقراره بعد.

في هذا المرسوم سيكون هناك تشاركية ومجلس إدارة مكون من غرف الزراعة والصناعة والتجارة، وسيتم تحويل المكتب إلى جهاز له نظام مالي مستقل، وبالتالي التغيير ليس شكلياً أبداً.

إلى ماذا يطمح إحسان عامر ويمكن تحقيقه؟ وإلى ماذا يطمح ويصعب تحقيقه لكنه يطور مستوى الإحصاء في سورية؟
الطموحات التي يمكن تحقيقها تتمثل في صدور المرسوم، وأن يكون هناك مقرات للإحصاء سواء في الإدارة المركزية أم في المحافظات، إذا لا توجد سوى مديرية واحدة ملك للمكتب في محافظة طرطوس، والباقية مستأجرة، وكذلك وجود نظام مالي للعمل الإحصائي، وأن توجد استقلالية إدارية بحيث يمكننا الخروج عن نطاق المسابقات لتوظيف الكوادر، وتطوير وجود الوحدات الإحصائية بمراكز الحكومة بحيث تتمتع بالاستقلالية، وأن يجرى التعداد العام للسكان خلال ٢٠٢٠، لأنه بعد سنوات قليلة لن نجد إحصائياً يستطيع إجراؤه، فمن لديه معرفة بذلك الآن هم شخصان أو ثلاثة فقط.

أما ما يصعب تحقيقه من طموحات، فمنها أن يكون هناك وعي إحصائي، وأن يلمس المواطن انعكاسات العمل الإحصائي عليه سواء كان صاحب فعالية اقتصادية أم مواطناً عادياً، وأن تكون القوانين والأنظمة التي تحكم العمل الاقتصادي والاجتماعي شفافة وواضحة تسهم في شفافية العمل الإحصائي.
كما أطمح إلى ترميم المكتب لجهة الكوادر المتخصصة، وأن تحدث كلية في جامعة دمشق للإحصاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى