شؤون محلية

الليرة والدولار.. ماذا جرى؟ وماذا سيجري؟ مدير العقاري: إجراءات وتدابير المركزي حسّنت سعر صرف الليرة

خبير نقدي: الانخفاض مؤقت وطفيف

|محمد راكان مصطفى

بعد ارتفاعات متتالية لسعر الصرف وتخطيه مستوى 600 ليرة للدولار، الذي رافقه صمت للمركزي، خرج عنه حاكمه حازم قرفول الذي وصف الارتفاع بالوهمي، عاد تدريجياً للتحسن منخفضاً إلى مستوى 590 ليرة، وسط انقسام في الآراء في الأوساط النقدية بين تفاؤل باستمرار التحسّن أو عودة سعر الصرف إلى الارتفاع.
المدير العام للمصرف العقاري الدكتور مدين علي بين لـ «الاقتصادية» أن تحسّن سعر الصرف لليرة السورية أمام الدولار يأتي نتيجة لمجموعة من الإجراءات والتدابير التي قام بها مصرف سورية المركزي، عبر وضع ضوابط تحدّ من عملية الاختلال في سوق القطع، معتبراً أن هذا الانخفاض عزّز من إجراءات الثقة بالمركزي نسبياً.

وتوقع علي استمرار تحسّن سعر الليرة أمام الدولار، لكون إجراءات السياسة النقدية تصب في هذا الإطار، مضيفاً: يسهم في ذلك بدء موسم الصيف وما يرافقه من زيارة للمغتربين والطلاب إلى البلاد، ما يفتح المجال أمام دخول الدولار إلى البلاد، الأمر الذي ينعكس على تحسّن سعر صرف الليرة السورية.

ويرى علي أنه لا يمكن الفصل بين تأثر سعر الصرف والإشاعات، مؤكداً أن انخفاض سعر صرف الليرة في الفترة الماضية كان للإشاعات دور كبير فيه، محملاً المسؤولية في ذلك لسلوك بعض المضاربين، إضافة إلى التهويل من بعض المختصين وغيرهم عبر توقعهم وتكهّنهم بسعر الصرف غير المبني على أسس علمية أو دراسات أو حتى إلمام بالواقع النقدي بشكل دقيق.
وعما يشاع عن تحكم الحكومة بسعر الصرف إذ تقوم برفعه وخفضه في أوقات محددة كالرواتب أو عند حاجتها للقطع، نفى علي ذلك بشكل قالليرة والدولار.. ماذا جرى؟ وماذا سيجري؟
مدير العقاري: إجراءات وتدابير المركزي حسّنت سعر صرف الليرة
خبير نقدي: الانخفاض مؤقت وطفيف
طعي، وقال: لا صحة لكل ما يثار حول هذا الموضع.
ووصف علي ذلك بأنه غير منطقي، مبيناً أن هذا الأمر له انعكاسات خطيرة لا يمكن أن تكون موضوع تجريب أو رهان، وتابع: المشكلة الأساسية هي إطلاق البعض للأحكام المتسرعة غير المثبتة بوقائع حقيقية.

أذونات الخزينة

بدوره اعتبر نائب المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية كنان ياغي أن طرح أذونات الخزينة سيسهم بسحب السيولة وبالتالي دعم تحسن سعر صرف الليرة، وإن لم يكن بشكل كبير وملموس.

وأوضح ياغي أنه وعبر سحب السيولة من المصارف يفتح المجال أمام المواطنين للإيداع في المصارف بعد أن كانت متوقفة عن قبول الإيداعات بسبب السيولة الكبيرة لديها، معتبراً أن ذلك منعكسه إيجابي على سعر صرف الليرة، لكون عدم تمكّن المواطنين من الإيداع في المصارف ساهم بتخليهم عن الادخار بالليرة السورية والتحول إلى الادخار بالدولار.
وأضاف: ولأن سعر الصرف يتأثر بالعرض والطلب ومع وجود حديث عن مبالغ كبيرة تقدر بنحو 100 مليار، سيتم إدخالها إلى الخزينة من الممكن أن يدعم هذا سعر الصرف لفترة قصيرة وإلى ما دون الـ 20 بالمئة.

وقال ياغي: فوجئت بمدة الأذونات القصيرة التي تبلغ عدة أشهر، وقال: إن المشاريع الطويلة الأجل تحتاج إلى مصادر تمويل طويلة الأجل وتواريخ الاستحقاق يجب أن تكون متطابقة بين الالتزامات والتمويل، مضيفاً: تستطيع وزارة المالية صاحبة الإصدار أو المركزي وكيل الإصدار تدوير المبالغ أي تمديد الإصدار، أو أن يتم إطفاء الإصدار، على أن يتم إصدار المبلغ نفسه من جديد، وهذا يكلف مصاريف وتكاليف إدارية وتشغيلية إضافية، معتبراً أن الأفضل أن يتم تمويل المشاريع الصناعية والاقتصادية بسندات طويلة الأجل.

استمرار الانخفاض

من جانبه رأى الخبير الاقتصادي سامر كسبار أن ارتفاع سعر الدولار خلال الأسبوعين الماضين ليس له أي أسباب اقتصادية، ويعود إلى الرعب لدى المواطنين وتوجههم إلى الادخار والاكتناز، وليس بسبب وجود طلب تجاري لتمويل المستوردات.
وبيّن كسبار أن توقف الخط الائتماني منذ الخامس عشر من تشرن الأول لعام 2018 كان سبباً رئيساً في ارتفاع سعر الصرف، مضيفاً: ومع عودته ستدعم سعر استقرار سعر الصرف، ويؤدي إلى الانخفاض التدريجي، إلى جانب غيره من المتغيرات الاقتصادية الإيجابية كبدء الموسم السياحي واقتراب عيد الأضحى وجميعها تأتي في جانب تحسّن سعر الصرف، وتابع: إلا أنه من الصعب الوصول إلى سعر المركزي لكون هذا السعر غير صحيح.

وتوقع كسبار أن يستمر الانخفاض في سعر الصرف حتى نهاية الموسم السياحي، حيث يفترض أن يوجد مع انتهاء الموسم توازن بين العرض والطلب واستقرار في سعر الصرف.

وحول إطلاق تطبيق لسعر الصرف مرتبط بجهة حكومية رأى أن موافقة المركزي على مبادرة من أشخاص معروفين بالوطنية أمر جيد، مؤكداً أهمية وجود تطبيقات وطنية تستطيع مواجهة التطبيقات والبرامج التي تتم إدارتها من الخارج، والتي تهدف إلى التلاعب بسعر الصرف وضرب الاقتصاد الوطني، وبما يسهم بعرض أسعار الصرف بصورة موضوعية تحاكي واقع السوق بشكل فعلي، بحيث يتم بيع وشراء العملات عبر هذا التطبيق ووفقاً للأسعار المعلنة بشكل فعلي، وليس لمجرد تصدير الإشاعة والمضاربة.

انخفاض مؤقت

في الجانب الآخر رأى خبير نقدي أن انخفاض سعر الصرف طفيف، واصفاً السعر بالمتقلب، مضيفاً: الانخفاض المؤقت لا يعد انتصاراً للسياسة النقدية.

وأعاد الانخفاض في السعر في الأيام الأخيرة إلى قيام التجار بسبب وجود حالة ركود وجمود في الأسواق وانطلاقاً من رغبتهم في تحويل سيولتهم من الليرة إلى الدولار، وعبر بث الإشاعات عن انخفاض سعر الصرف أو عن طريق ضخ مبالغ من الدولار في السوق، ما يؤدي إلى انخفاض في سعر الصرف، ليقومون بعد ذلك بشراء الدولار بكميات كبيرة وبسعر منخفض، وتابع: هذا ما أطلق عليه «لم الأرباح».

وأشار إلى أنه لا يوجد أي مستجدات تساهم في انخفاض سعر الصرف ولا إجراءات فعلية قام بها المركزي أو الحكومة تسهم في تخفيض سعر الصرف، مضيفاً: والدليل عدم انخفاض سعر الذهب، ورأى أن أذونات الخزينة هي موجهة للمصارف، ومن السيولة الموجودة لديها بالعملة السورية على حين أن المشكلة هي المبالغ الموجودة في السوق.
ويرى الخبير أن المشكلة من الجانب الاقتصادي تتمثل بالإصدار النقدي لترميم الموازنة بدءاً من عام 2011 وحتى تاريخه والذي يقدر بين 4 إلى 6 تريليونات ليرة، حيث أصبحت هذه الكتلة النقدية عبئاً كبيراً على الاقتصاد السوري، وبانعكاس هذه الكتلة على سعر الصرف يتبين أن سعر الصرف حالياً طبيعي في ظل زيادة الإصدار الموجودة.

على حين تتمثل المشكلة الثانية بالأموال الموجودة في المصارف الخاصة والتي تقدر بنحو 3 تريليونات ليرة على شكل ودائع، وأمام هذه المبالغ الضخمة من الودائع وفي ظل عدم وجود نشاط إقراض، إلا أنه يتم في الجمعيات العمومية لهذه المصارف توزيع أرباح ما يدفع إلى التساؤل عن مصدر هذه الأرباح، والتي تؤشر إلى أن المصارف تستخدم الودائع للمضاربة في سوق القطع.

وعن مساهمة تدفع الدولار السياحي أو دولار المغتربين في انخفاض سعر صرف الدولار، رأى أنه لن يكون له دور في ظل فرق سعر الصرف بين المركزي والسوق السوداء، متوقعاً أن تتم عمليات التصريف قبل الدخول إلى سورية في لبنان أو بعد دخول البلاد في السوق السوداء، متوقعاً استمرار ارتفاع سعر الصرف لكون جميع الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ارتفاعه مازالت قائمة، والانخفاض المؤقت لا يعتبر اتجاهاً عاماً نحو الهبوط.

حلول

واقترح عدداً من الحلول على المستوى القصير الأجل عبر تدعيم عامل الثقة وإحساس المتعاملين بسوق الصرف بوجود تدخل قوي وفعّال وممنهج للسلطة النقدية، بحيث يجب على البنك المركزي تخفيض تقلبات أسعار الصرف بالتحكم بالكتلة النقدية، إذ لابدّ بداية من إحداث صدمة اسمية إيجابية في سوق الصرف تعطي إشارة واضحة للمتعاملين بقدرة المركزي على ضبط السوق ولكونه صانعاً للسياسات بالتوجه إلى تقييد السيولة كمياً لمدة قصيرة، بحيث يتم تقييد السيولة النقدية (الكاش) وتخفيض عرضها وزيادة الطلب عليها، هذا الإجراء من شأنه إيقاف الارتفاع الحاصل في سعر الصرف وزيادة الطلب على الليرة السورية وخلق صدمة تحول سعر الصرف من الصعود إلى مستوى الهبوط.

وبالتوازي يتم اتخاذ عدد من الإجراءات تتمثل بالتوجيه لشركات الصرافة بتسليم الحوالات بسعر السوق ولو بشكل مؤقت، بما يتيح استجرار نحو مليوني دولار يومياً ما يعادل 60 مليوناً شهرياً من إجمالي الحوالات التي تدخل البلاد بصورة غير شرعية، وبالتزامن يتم رفع سعر الفائدة للودائع في المصارف لتشجيع المواطنين على الإيداع.

وتابع: في ظل النقص الكبير في الإيرادات العامة للدولة، والحاجة المتزايدة لمصادر تمويل إعادة البناء، وبالوقت نفسه السيولة الكبيرة في المصارف وعدم وجود منافذ استثمارية من الضروري إصدار سندات وأذونات الخزينة لتوظيف تلك السيولة في حل مشكلة العجز الكبير في الموازنة بشكل لا يكلف الاقتصاد المزيد من التضخم، فيمكن مبدئياً إصدار سندات طويلة الأجل (أكثر من خمس سنوات) تذهب لوزارة المالية لسد العجز وتستخدم لأهداف خاصة بإعادة الإعمار، وتتمتع بمزايا خاصة كالإعفاء من الضرائب والرسوم.

وعلى الأمد الطويل الأجل يجب التركيز على تفعيل أدوات السياسة النقدية بشكل أكبر، بالطريقة التي تسمح للدولة التأثير في السوق المالي، من خلال تفعيل سوق الأوراق المالية الحكومية وإصدار سندات وأذونات الخزينة عندما ينخفض معدل التضخم لحدود معقولة تسمح بتحديد معدلات فائدة منطقية عليها، والعمل على تفعيل سوق العمليات المفتوحة للتحكم بالعرض النقدي من خلال السوق الثانوية.

وختم الخبير قائلاً: من الضروري إغلاق المجال أمام التصريحات والإشاعات لمنع تأثيرها في السوق، مضيفاً: هناك أطراف عدة تتحدث عن سعر الصرف، وزارتا المالية والاقتصاد .. على حين هناك غياب شبه كامل للمركزي، فمثلاً موضوع إعادة قطع التصدير رغم مرور نحو شهر لا توجد ملامح واضحة من المركزي عن الموضوع، على حين أنه يترتب عليه إدارة التصريحات بشكل واضح ومخطط وبشفافية تقنع المواطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى