شؤون محلية

القصة الكاملة لاستثمار مرفأ طرطوس تحت مجهر «الاقتصادية» – حمود: لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة.. لكن الجدوى الاقتصادية محققة

هيثم يحيى محمد

أثار تصريح نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية في الحادي والعشرين من شهر نيسان الماضي بخصوص (استئجار) مرفأ طرطوس من شركة روسية ردود فعل مختلفة بين مؤيد للاتفاقية بلا حدود ومعارض لها بلا حدود.. وبين من يتساءل عن ماهية الاتفاقية.. ومن يشكك بموادها لجهة السيادة والمدة وغير ذلك، من يستغرب صدور التصريح عن الجانب الروسي فقط، ومن ينتظر التوضيح من الجانب السوري..إلخ.
وأمام هذا التناقض في الردود والكتابات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وصفحات التواصل الاجتماعي القريبة والبعيدة، كان لابد من السؤال والبحث والتقصي للوصول إلى حقيقة الأمر، وإجابة الناس على كل ما يدور في أذهانهم، وهذا ما قامت به «الاقتصادية» وتوصلت إليه وتنشره في مادة اليوم.

استئجار أم استثمار؟

كما ذكرنا كان أول تصريح في الإعلام هو التصريح الذي أدلى به (يوري بوريسوف ) نائب رئيس وزراء روسيا بتاريخ الحادي والعشرين من نيسان الماضي عبر سبوتنيك حيث قال: إن ميناء طرطوس في سورية سيتم (تأجيره) إلى روسيا لمدة 49 عاماً للنقل والاستخدام الاقتصادي خلال الأسبوع المقبل، بعد ذلك وقبل معرفة تفاصيل الاتفاقية اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي والعديد من وسائل الإعلام بالتعليق سلباً أو إيجاباً على الاتفاقية، ووسط هذا الواقع كان الكثير من الإعلاميين والمواطنين ينتظرون أي تصريح من الحكومة السورية لمعرفة حقيقة الأمر، وبتاريخ الثالث والعشرين من نيسان عقد مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية، وناقش خلالها الاتفاقية، وتضمن الخبر الذي وزعته وكالة سانا عن الجلسة (متابعة للمشروعات الاستثمارية المعدة وفق قانون التشاركية، ناقش المجلس مشروع إدارة واستثمار وتشغيل مرفأ طرطوس من الأصدقاء في جمهورية روسيا الاتحادية وتطويره ليصبح منافساً على المستوى الإقليمي، ويسهم بتحقيق جدوى اقتصادية وتعزيز الإيرادات المالية التي تعود بالفائدة المشتركة، إضافة إلى الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه المرفأ في تأمين احتياجات سورية من مختلف المواد). وبعد ذلك تحدث بعض المختصين وأكدوا أن الاتفاقية تتضمن استثمار المرفأ، وليس تأجيره، ثم أكد ذلك وزير النقل علي حمود عبر حديثه للزميلة (الوطن). 

آراء مختصين

وقبل أن نتوقف عند إجابات وزير النقل عن أسئلة «الاقتصادية» حول الاتفاقية لا بأس أن نذكر بعض الآراء الصادرة بخصوصها عن مختصين بالمرافئ والعمل البحري بشكل عام.
أحد المختصين قال: إن التعاقد على استثمار مرفأ طرطوس من روسيا ليس تعاقداً مُبتَدعاً في العالم. بل إن أشهر مرافئ العالم تُستثمر بالطريقة نفسها. 
نحن بأمس الحاجة إلى اعتماد مثل تلك العقود في الاستثمار ليس من أجل الاستفادة من النفوذ والقوة الروسية الدولية في رفد مرفأ طرطوس بحركة النقل فقط، بل من أجل إدخال ثقافة عمل جديدة إلى البلد.

ناصر جوني خبير بحري وصاحب ومدير عام شركة  للنقل البحري وعضو مجلس إدارة غرفة الملاحة البحرية السورية قال: يتداول هذه الأيام كلام  عن العقد المزمع توقيعه قريباً بين روسيا وسورية بشأن مرفأ طرطوس.. هناك معلومات متضاربة، وسط تباين في آراء السوريين حول صيغة الاتفاق، هل هو استئجار أم استثمار؟
ما الصيغة القانونية للتعاقد؟ ماذا يقصد بـ 49 سنة مدة العقد؟ هل توقيع الاتفاق سينهي الحظر على مرفأ طرطوس؟
وأضاف جوني: من حيث المبدأ الاتفاق لايزال في مرحلة الإعداد والتفاوض بين الجانبين السوري والروسي.. وحتى هذه اللحظة لم يتسرب شيء عن بنود الاتفاق ولم ينشر بعد. 
والجانب الروسي يعرف جيداً أن  مرفأ طرطوس من أكبر وأهم  المرافئ شرقي المتوسط من حيث المساحة والطاقة الاستيعابية،  فمساحته تبلغ حوالي /3/ ملايين متر مربع، لكن المرفأ بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد، ومعظم الآليات والمعدات والبنى التحتية غير جاهزة وتحتاج لتأهيل، إضافة إلى أن عدد العمال فيه كبير مقارنة بمرافئ مماثلة، فمثلاً مرفأ نوفوروسيسك على البحر الأسود  في روسيا  يشغله 600 عامل بمن فيهم الإدارة، بينما مرفأ طرطوس فيه نحو ٣٥٠٠  عامل، وبعد سبر حالة العمالة نرى أن المكان الذي يحتاج عاملاً واحداً يوجد فيه نحو ستة أو سبعة  عمال. 
أما بخصوص الاستثمار أو الاستئجار، فيرجح أن يكون العقد بصيغة استثمار، ويفرق بين حالات ثلاث:
الاستئجار، والاستثمار، والتشغيل.. أنا أرى أن الاستئجار يعني الخروج من السيادة السورية، إذ لا يعود للسلطات السورية أي علاقة بالمرفأ، وهو ما لا تقبله السلطات السورية على الأغلب، حيث يكون الاتفاق غير متوازن وربما يلقى معارضة شعبية، لكن  أن يكون العقد استثمارا، وهذا موجود في كل موانئ العالم، فشركة موانئ دبي مثلاً تستثمر عدداً من الموانئ حول العالم وتجربتها كانت ناجحة ورابحة .

وأضاف جوني: من حيث المبدأ الاتفاق لايزال في مرحلة الإعداد والتفاوض بين الجانبين السوري والروسي.. وحتى هذه اللحظة لم يتسرب شيء عن بنود الاتفاق ولم ينشر بعد. 
والجانب الروسي يعرف جيداً أن  مرفأ طرطوس من أكبر وأهم  المرافئ شرقي المتوسط من حيث المساحة والطاقة الاستيعابية،  فمساحته تبلغ حوالي /3/ ملايين متر مربع، لكن المرفأ بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد، ومعظم الآليات والمعدات والبنى التحتية غير جاهزة وتحتاج لتأهيل، إضافة إلى أن عدد العمال فيه كبير مقارنة بمرافئ مماثلة، فمثلاً مرفأ نوفوروسيسك على البحر الأسود  في روسيا  يشغله 600 عامل بمن فيهم الإدارة، بينما مرفأ طرطوس فيه نحو ٣٥٠٠  عامل، وبعد سبر حالة العمالة نرى أن المكان الذي يحتاج عاملاً واحداً يوجد فيه نحو ستة أو سبعة  عمال. 

أما بخصوص الاستثمار أو الاستئجار، فيرجح أن يكون العقد بصيغة استثمار، ويفرق بين حالات ثلاث:
الاستئجار، والاستثمار، والتشغيل.. أنا أرى أن الاستئجار يعني الخروج من السيادة السورية، إذ لا يعود للسلطات السورية أي علاقة بالمرفأ، وهو ما لا تقبله السلطات السورية على الأغلب، حيث يكون الاتفاق غير متوازن وربما يلقى معارضة شعبية، لكن  أن يكون العقد استثمارا، وهذا موجود في كل موانئ العالم، فشركة موانئ دبي مثلاً تستثمر عدداً من الموانئ حول العالم وتجربتها كانت ناجحة ورابحة .

ولمن يسأل لماذا 49 عاماً؟ أجيب: إن هذا الرقم ليس له أي دلالة قانونية، بل له علاقة بالعمر الزمني للمنشأة، إذ إن عمر «البيتون» المسلح مثلا هو 100 عام، لهذا تُحدد أغلب العقود بمدة99  عاماً، أما الإنشاءات المعدنية وخاصة على البحر، فعمرها الزمني محدد بـ  50 عاماً، وبعد تلك المدة ينبغي إعادة تأهيل المنشأة مجدداً، لهذا تأتي العقود بمدة 49 سنة.
وختم جوني بالقول: في حال تم التوافق بين الجانبين على استثمار مرفأ طرطوس نتمنى أن يكون الاتفاق متوازناً وعادلاً، ويحقق تنمية وتطوراً نتطلع إليه وأن يسهم في إعادة الإعمار المرتقبة.

مع وزير النقل

بعد كل ما تقدم وغيره التقت الاقتصادية وزير النقل علي حمود للإضاءة على مضمون الاتفاقية:
بداية حبذا لو تذكر للقراء بأهم المواد التي تنص عليها الاتفاقية بخصوص استمرار السيادة السورية على المرفأ والحفاظ على العمال وتأهيل المرفأ الحالي وتوسيعه شمالاً؟
تضمن بروتوكول التعاون للدورة الحادية عشرة للجنة السورية الروسية المشتركة المنعقدة في دمشق خلال الفترة بين 12- 14 /12/ 2018 العمل للتوصل إلى اتفاق يلائم احتياجات الطرفين السوري والروسي بشأن استثمار وتوسيع وتأهيل مرفأ طرطوس، وبالتالي السلطات السورية ستبقى موجودة في المرفأ، ومنها السلطة البحرية المختصة في سورية /المديرية العامة للموانئ/ والسلطة الجمركية الممثلة في المديرية العامة للجمارك، وستكون مهمة الشركة إدارة المرفأ وتشغيله وتوسيعه من ناحية المهام المرفئية. وبإشراف الجانب السوري ومشاركته، حيث إن مجلس الإدارة مؤلف من ستة أعضاء ثلاثة من الجانب السوري وثلاثة من الجانب الروسي.
وتضمن الاتفاق الاستفادة من العمالة الموجودة حالياً في «مرفأ طرطوس» والحفاظ عليها.

كما تضمن بأن يلتزم الطرف الثاني (الشركة الروسية) باستثمار أموال بمبلغ لا يقل عن 500 مليون دولار أميركي وفق لائحة أعمال العقد في إطار مشروع توسيع مرفأ طرطوس المصدّق عليه من الطرفين، والبداية تأهيل البنية التحتية للمرفأ الحالي وآلياته ومعداته بمبلغ تقريبي يساوي /50/ مليون دولار أميركي، وذلك خلال مدة أربع سنوات من بدء موضوع العقد. وتم الاتفاق مع الجانب الروسي على إدارة واستثمار المرفأ ووضع استثمارات جديدة لافتتاح مرفأ جديد يتناسب مع موقع سورية الجغرافي، ويؤدي إلى استثمارات كبيرة تسهم في إعادة إعمار سورية ومرور البضائع عبر الترانزيت إلى دول الجوار، لتحقق فائدة اقتصادية كبيرة جداً مع الحفاظ على العمال الموجودين، مشيراً إلى أن عملية توسيع المرفأ للحصول على أعماق كبيرة تستقبل سفنا تصل حمولتها أضعاف حمولة السفن الحالية، تتطلب عمالاً آخرين سيكونون من سورية.

حبذا لو تذكر لنا بعض التفاصيل الفنية عن تأهيل وتطوير المرفأ الحالي كما هو وارد في الاتفاقية؟
تضمن الاتفاق أن يلتزم الطرف الثاني بتأهيل البنية التحتية للمرفأ الحالي وآلياته ومعداته بمبلغ تقريبي يساوي /50/ مليون دولار أميركي، وذلك خلال مدة أربع سنوات من بدء موضوع العقد.
كما تضمن تصميم رصيف الفوسفات مع إطالة المكسر إلى 225م مع بناء رصيف من طرف واحد بعمق 13م ورفع القدرة من 2 مليون إلى 7 ملايين طن سنوياً،
وتصميم محطة الحبوب مع بناء رصيفين بطول 450م وعمق 13م وزيادة بالقدرة من /4/ إلى /8/ ملايين طن سنوياً، وتحديث قاعدة إصلاح السفن، وإنشاء قاعدة إصلاح متعددة للسفن، وبناء مستودعات لتخزين الأسمدة المعدنية بشكل القبة وزيادة سعة محطة السكك الحديدية الحالية لميناء طرطوس مع تطوير السكك الحديدية وتأهيل آليات المرفأ ومعداته، ونحن أخذنا نسبة 25 بالمئة من الإيرادات بغض النظر عن النفقات، وستزداد هذه النسبة لتصل إلى 35 بالمئة بشكل تدريجي مع الانتهاء من تنفيذ المرفأ، مشيراً إلى أنه وبمقارنة ما يمكن أن تدخله سورية من المرفأ بوضعه الحالي وبأعلى مستوى له أي 16 مليون طن سنوياً، سيكون الدخل 24 مليون دولار سنوياً، ولكن في حالة استثمار روسيا له ستحقق سورية 84 مليون دولار. 

وبعض التفاصيل عن المرفأ الجديد (التوسيع نحو الشمال) من حيث العمق والأرصفة والمساحة..إلخ
تضمن عرض الجانب الروسي بناء مرفأ بطاقة انتاجية 40 مليون طن وعدد حاويات تصل إلى 2.5 مليون حاوية وبأعماق تصل إلى 18م.
كما تضمن الاتفاق أن يلتزم الطرف الثاني خلال 12 شهراً من تاريخ استلام المنشآت الواقعة ضمن «موضوع العقد» بتقديم المخططات الأولية والمواصفات الفنية  لتجهيز وثائق مشروع توسيع مرفأ طرطوس للموافقة عليها من الطرف الأول ( الجانب السوري).
وتحدد فترة تجهيز وثائق التصميم لمشروع توسيع مرفأ طرطوس من الطرف الثاني بفترة 12 شهراً من تاريخ تصديق الطرف الأول على المواصفات الفنية.
كما يلتزم الطرف الثاني باستكمال جميع أعمال البناء في مشروع توسيع مرفأ طرطوس في غضون 4 سنوات من تاريخ استلام أمر مباشرة الأعمال بعد التنسيق مع الطرف الأول  في مشروع توسيع مرفأ طرطوس، وسيتم الأخذ بالحسبان بأن المرفأ الجديد سيكون مرفأً متكاملاً.
 


هل 500 مليون دولار مبلغ كافٍ ليكون المرفأ الجديد منافساً لمرافئ المنطقة؟
ليس مهماً الرقم المهم هو أن الأعماق ستصل إلى 18م أي سيكون المرفأ قادراً على استقبال السفن ذات الحمولات الكبيرة ويبنى ويدار وفق مواصفات ومعايير عالمية، علماً أن الصين أنفقت في مرفأ طرابلس 45 مليون دولار، وقد أحدثت تغييراً كبيراً في المرفأ.

البعض يقول: إنها اتفاقية سياسية أكثر منها تجارية واقتصادية.. بماذا ترد عليهم؟ وهل تأكدتم من جدواها الاقتصادية حقاً؟ وكيف؟
أولاً لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، ودائماً نسعى لأن تكون العلاقات الاقتصادية بمستوى العلاقات السياسية التي تجمعنا مع البلدان الصديقة، إضافة إلى هدفنا الإستراتيجي بإيجاد توازن دولي في منطقتنا.
ثانياً تم التفاوض مع الجانب الروسي وعلى مدى شهور، وتم الحصول على عقد إدارة وتشغيل متكامل يضمن السيادة السورية والإيرادات الكبيرة للجانب السوري لتصل إلى (٣،٥) أضعاف إذا افترضنا أفضل استثمار ممكن من قبلنا للمرفأ الحالي وأكثر من عشرة أضعاف  مقارنة مع الإيرادات الحالية، وبنود كثيرة من العقد تم تعديلها لتكون في مصلحة الجانب السوري، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أراد الجانب الروسي عقد إدارة مع تقاسم الأرباح، لكن الجانب السوري أصرّ على الحصول على نسبة من الإيرادات، وليس من الأرباح وبالتالي لا ندفع شيئاً من النفقات. 
تم حساب الجدوى الاقتصادية لهذا الاستثمار ومصلحة الجانب السوري في قيام هذه الشركة بإدارة المرفأ، حيث سيتم الحصول على إيرادات من دون نفقات والخروج من مخاطر السوق.

الكثيرون كتبوا أن الاتفاقية تأتي في إطار الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضتها وستفرضها الولايات المتحدة الأميركية على سورية، والبعض الآخر قال هذا الكلام غير صحيح، بدليل التزام معظم الشركات والدول بالعقوبات المفروضة على القرم وحتى على روسيا .. مارأيكم أنتم بذلك؟
الاتفاقية لها أهداف متعددة سياسية واقتصادية واستثمارية، وجميع هذه الأهداف محققة، وتصب ضمن الهدف الإستراتيجي، منوهين بالعلاقات الواسعة لروسيا الاتحادية مع معظم دول العالم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى