ملفات خاصة

الحرب الاقتصادية – محفوض: الرهانات الاقتصادية ستكون العامل الأكثر حضوراً وستمتد إلى المرحلة القادمة من دورة حياة الحرب في سورية

مجتمعنا تقدم على السياسات العامة في فهم تحديات الحرب وطبيعتها

رأى الكاتب والأكاديمي المتخصّص بالعلاقات الدولية الدكتور عقيل محفوض أن الحرب في سورية قطعت مراحل ومرّت بأطوار عديدة منذ آذار/مارس 2011، وقد بدأت بتقديرات «متعجلة» و«غير دقيقة» لدى جميع الأطراف تقريباً. وكانت تلك التقديرات تتحدث عن نهاية سريعة للأمور، بـ«إسقاط النظام السياسي والدولة» خلال أشهر، بنهاية سريعة للأزمة.
مع استمرار العمل العسكري، أظهرت الحرب أن الواقع السوري كان خارج تلك التوقعات والرهانات، وبتقدير محفوض، فإن الواقع «كذّب» أو «اختبر» كل نظريات العلاقات الدولية بما فيها الاقتصادية، ومثّلت الحرب تحدياً كبيراً للمقاربات الأكاديمية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الأمر الذي يتطلب من الخبراء والأكاديميين القيام بمراجعة لأدواتهم ومعارفهم حول الحروب والنزاعات السياسية في عالم اليوم، إذ لا يستطيع أي باحث أو سياسي القول بأن قراءته كانت مطابقة للواقع.

الأزمة اليوم تشهد تراجعاً في العمل العسكري بشكل كبير مقارنة ببقية السنوات السابقة، وترافق ذلك مع تصاعد في مصادر التهديد من بوابات السياسة والاقتصاد، فشعر المتابعون، بأن الحرب في سورية وكأنها تدخل فصلاً جديداً بعناوين ومقولات ورهانات مختلفة.
يرى محفوض أنه لا يمكن القول بإن الحرب الاقتصادية قد بدأت اليوم، بل كانت أساسية منذ البداية، ولطالما كان الاقتصاد إحدى أدواتها (على طول الخط)، إلا أن الحرب الاقتصادية والرهانات الاقتصادية حالياً سوف تكون العامل الأكثر حضوراً وتجلياً، وسوف تمتد إلى المرحلة القادمة من عمر أو دورة حياة الحرب في سورية.
وبحسب مقاربة محفوض لواقع الحرب، فإن ذلك لا يعني غياب التحديات بالمعنى السياسي والعسكري، فهي لا تزال قائمة، ولدينا أمثلة في الشمال من جهة تركيا، حيث المناطق التي تتواجد فيها الميليشيات الموالية لها، ومن شرق الفرات هناك الوجود الأميركي والفرنسي والبريطاني مع الميليشيات الكردية، وفي الجنوب هناك الكيان الصهيوني الذي لا يزال يراهن على التدخل جنوب سورية.
أمام هذه الصورة العامة لواقع الحرب، يرى محفوض أن الحدث السوري أمام احتمال تطورات «نكوصية» أو «ارتدادية»، في اتجاهات محددة، وخاصة الاقتصادي والمعيشي الخدمي، من دون إهمال بقية الاتجاهات والأبعاد.
ويستشف محفوض من خلال قراءته لواقع الحدث في سورية ومستجدّاته أن التدقيق في مجريات الأمور يضع المراقب أمام استخلاص رئيس، يتمثل بأن الرهانات التي كانت في بداية الحرب لم تتغير، وخاصة لجهة خصوم وأعداء سورية، وفي قلب تلك الرهانات «إسقاط النظام السياسي والدولة»، واليوم مع بروز تهديدات ذات طابع اقتصادي بشكل رئيس، وخاصةً بعد صدور حزمة عقوبات أحادية الجانب من الاتحاد الأوروبي بحق مجموعة رجال أعمال في سورية، والحديث عن مشروع قانون أميركي «سيزر أو قيصر» يعاقب كل من يتعامل مع سورية اقتصادياً وسياسياً؛ يمكن ملاحظة تغير واضح في نمط وإيقاع التهديدات، وليس في طبيعتها، لأن الرهانات الرئيسة لم تتغير.

استجابة السياسات العامة

رأى محفوض أن استجابة السياسات العامة لتلك التحديات والتطورات في الحدث السوري حالياً لا تزال «أقل من المستوى المطلوب»، لاعتبارات عديدة، يذكرها ليس بقصد التبرير أو التغطية على أي إخفاق فيها، مثل تبعات الحرب، والحصار، واستنزاف الموارد المادية والبشرية، وغيرها، وخاصة الحديث اليوم عن دولة في حالة حرب منذ ثماني سنوات، ومن الواضح أنها حرب مركبة، وقد أطلق عليها الكيان الصهيوني «حرب بين الحروب».
ولفت محفوض إلى أن البعد السوري في هذه الحرب يتراجع إلى حدّ كبير، مقابل بروز «العوامل غير السورية» أو العوامل الإقليمية والدولية، وأصبح الحدث السوري أمام تجليّات لحروب بين فواعل إقليمية ودولية.
وانطلاقاً من واقع أن البعد السوري (الداخلي) يبدو أقل في هذه الحرب، فهذا أمر يقتضي تدقيقاً عميقاً، ويتطلب من السوريين مراجعة السياسات العامة والسياسات الحكومية وغيرها منذ بداية الحرب وحتى اليوم في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في ظل الحديث اليوم عن تزايد التهديد الاقتصادي، وهو مصدر التهديد الرئيس للمرحلة القادمة، وهذا ما يضع السياسات العامة أمام تحدي المراجعة العميقة وتدبر استجابات مناسبة ما أمكن.
وأوضح أن سورية اليوم أصبحت أمام مخاطر مستجدة، والخطر الرئيس اليوم هو في «تأزم» أو «توتر» أو «التباس» العلاقة بين السياسات العامة والمجتمع، ذلك أن تراجع إيقاع العمليات العسكرية رفع سقف التوقعات الاقتصادية والمعيشية لدى المواطنين، وهذا أمر طبيعي، وكان خطاب الحكومة ساهم في هذا الموضوع، بتأكيده أن الحرب انتهت أو شارفت على النهاية، لكن ارتفاع سقف التوقعات لم يواكبه ارتفاع في سورية الخدمات العامة وتأمين المتطلبات الرئيسة للمواطنين.
وهكذا أصبح المواطن اليوم يعيش أزمات متتالية ومستمرة وخانقة، وهو أمام إجهاد اقتصادي كبير لا طاقة له به، ولم يجد المواطن أو لم يشعر بأن السياسات العامة تقوم بما يجب على هذا الصعيد، وخاصة في أمور مثل الكهرباء والمشتقات النفطية وبعض المواد الأساسية، ولم يعد مناسباً تبرير الإخفاق في الاستجابة لمطالب ومتطلبات بإلقاء التبعات على الحرب، علماً أن الأخيرة سبب رئيس للكثير من المشكلات في سورية.

ما المطلوب؟

يستشف محفوض من خلال معاينته للواقع والمستجدات في الحدث السوري، أن المطلوب من الحكومة اليوم بصورة رئيسة يتلخص بوجود نوع من التعاطي مع المواطن بوصفه فرداً نبيهاً، ومع المجتمع بوصفه مجتمعاً نبيهاً أيضاً، أظهر بالفعل أنه كان لديه قدرة على التعاطي مع الأمور بحساسية عالية، وأحياناً ما كان يتقدم على السياسات العامة في فهم تحديات الحرب وطبيعتها. وعلى الحكومة أن تتعامل مع المجتمع بصراحة ووضوح.
وبين محفوض أن جزءاً كبيراً من تحدي الوضع الاقتصادي اليوم سببه الرئيس هو الفساد وسوء الإدارة العامة وإخفاق فواعل السياسات الحكومية في فهم ما يجب القيام به حيال المواطنين.
ويوضح أن من الممكن جداً لأي دولة في حالة حرب أن تصل إلى استخلاصات رئيسة بعد سنوات الحرب، ولكن يبدو واقعياً كأن السياسات العامة لدينا هي حتى الآن بلا قراءات ولا استخلاصات وربما بلا ذاكرة! وكأن السياسات العامة تتعامل مع تحديات الواقع اليوم على مبدأ «يوم بيوم»، هي سياسة لا يمكنها مواجهة تحديات الحرب، وخاصة بعد انتقالها إلى مرحلة التهديد الاقتصادي الواسع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى