ملفات خاصة

الحرب الاقتصادية – المشهد الكلي لاقتصاد الحرب: حكومة الحرب.. ووقود النصر

| بقلم الدكتور قيس خضر
الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء

عندما تدخل الدولة في خضم حرب وجودية كذلك التي نمر بها منذ ثماني سنوات، يصبح كل أدائها أداء حرب فيكون مجتمعها مجتمع حرب، وتكون سياستها سياسة حرب، ويكون اقتصادها اقتصاد حرب، ويكون إعلامها إعلام حرب، وتكون حكومتها حكومة حرب، وإلا فلا معنى للمواجهة ولا طعم للنصر، فالجيوش تزحف على بطونها كما قال نابليون، وجيشنا زحف يواجه إرهاب العالم وحكومتنا هي التي أمدت هذا الجيش وزودته بوقود النصر.

الحروب الذكية.. والمقاومة الأذكى
يقولون: إن الواقع قد يفرض على الجيوش أن تخسر معركة ما في سبيل كسب الحرب بأكملها وهذه الحرب طويلة وشاقة ومكلفة وإذا كانت تنتمي إلى جيل الحروب الذكية فالتعامل معها لابد أن يكون كذلك أيضاً حرب قادها العقل الغربي الاستعماري، ومولتها صناديق الدول العربية ورعتها قوانين العقوبات الاقتصادية السادية، ونفذتها قطعان الوحوش البشرية، وأخرج أفلامها الكاذبة آلة الإعلام الغربي ووزعتها مجاناً على كل مشاهدي العالم، فعندما تكون الحروب ذكية، ويكون عدوك ذكياً فقدرك أن تكون أذكى إذا أردت البقاء.

الدولة المنتصرة.. والدول الفاشلة
تستهدف الحروب الذكية بشكل مباشر ومن دون مواربة إنتاج ما يسمى «الدولة الفاشلة» العاجزة من حيث المال عن تأمين الخدمات الاجتماعية، ما يؤدي إلى اهتزاز الثقة بين الحكومة ومواطنيها، إن الدولة التي تنجح في كسب معركة عسكرية هي من أبشع المعارك التي عرفتها البشرية، فبذلت آلاف الشهداء والجرحى حتى تنعم بالنصر، لا يمكن أن تخسر المعركة الاقتصادية.
تم استهداف مراكز إنتاج الاقتصاد السوري منذ اللحظات الأولى في المنطقة الشرقية التي تشكل الخزان الرئيس للأمن الغذائي والطاقوي، وحرص الأعداء على إبقاء السيطرة على هذا الخزان حتى تاريخه تحت حماية أعتى جيوش العالم ضماناً لاستمرار مفاعيل الحرب، إذ يكفي أن تصل الحكومة السورية إلى شرقي الفرات حتى يتحسن واقع الاقتصاد السوري بشكل ملموس جداً، وهذا ما لم تسمح الحرب به بعد.
لا يمكن لإدارة اقتصاد الحرب أن تكون عملية سهلة وروتينية، ولو تمكن الجنود من التنبؤ بكل معطيات الحروب لما سقط ضحايا في الحروب.

اقتصاد الحرب بيد.. والسلاح باليد الأخرى
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تكون في سباق مع الزمن ومع النصر العسكري، لتغطيه بالخدمات وبالسيادة الوطنية، فلا تترك الأرض المحررة من رجس الإرهاب خالية من مؤسسات الدولة الوطنية، وأن تكون الدولة قادرة على أن تعيد في عام أو أقل من عام مؤسسات الدولة السورية إلى المناطق المحررة فهذا إعجاز اقتصادي، إعجاز عندما تعيد إنتاج مؤسسات مدمرة استغرقت الدولة السورية ثلاثين أو أربعين عاماً في بنائها، ويعاد إنتاجها ووضعها في الخدمة خلال أشهر معدودة، والحكومة لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تعيد عشرات آلاف المعامل والمصانع والوحدات الإنتاجية إلى العمل، وتؤمن لها حوامل الطاقة وتعفيها من الرسوم والضرائب، وتعيد أرباب العمل، والعاملين إلى آلاتهم المتبقية، والحكومة لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تعيد تصدير «صنع في سورية» إلى ثماني دول وأكثر، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تحصّل مئات المليارات من الليرات السورية المتروكة فساداً منذ عشرات السنين، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تعمل بالتنمية المستدامة التي لم ترم حملها على الأجيال القادمة لتدفع تكاليف الحرب، ولم تقترض من الخارج دولاراً واحداً، بل حملت وحدها عبء الماضي والحاضر والمستقبل، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تؤمن استمرارية دفع الرواتب والأجور الضعيفة والقليلة وغير الكافية رغم انقطاع مواردها ومصادر دخولها ومحاصرتها ومنع الاستثمار فيها، من الداخل والخارج، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تؤمن استمرار تدفق الغاز المنزلي رغم منع وصوله بقوة العقوبات وبقوة الاستعمار وبقوة السلاح من البر والبحر، وأن تفلت من هذا كله وتوقع عقوداً بمئات ملايين الدولارات ليصل الغاز، بحدوده الدنيا إلى مواطنيها، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تفتح أحد معابرها مع دول الجوار، ويأتي مواطنو الدولة المجاورة ليتسوقوا من أسواقها ويتساءلوا: أي دول تحت الحرب والحصار دولتنا أم دولتكم؟ وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تدير سوق الصرف بهدوء، فلا يصل سعر الدجاجة إلى ما يزيد على 14 «مليون بوليفار كما هو الحال في فنزويلا التي تعد من أكبر مخازين النفط في العالم» وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تحمي سعر الصرف من العدوان الإسرائيلي ومن صكوك القيصر السادي الأميركي، ومن خنق المنظومة المصرفية الوطنية بسبب العقوبات، ومن آثار التمويل بالعجز، ومما «تبقى» من احتياطي يدار بعناية كما يدار الدم في الجسم، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد الحرب يعني أن تكون قادرة على أن تكون اللاعب الأبرز في سوق الصرف، وألا تتعامل برد الفعل، وأن تدير السوق المعقد بعقول سورية هادئة تعمل بروح الفريق الواحد وتدرس بصمت الخيارات وتنتقي أفضلها وأمثلها وأقلها تكلفة، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب، يعني أن تكون مطالبة بتأمين الموارد للدولة من دون أن تفرض رسماً أو ضريبة على أحد، ومن دون أن ترفع سعر سلعة واحدة ومن دون أن تخفض الدعم عن مادة واحدة، ومن دون أن تكون قادرة على الوصول إلى نفطها وغازها وقمحها ومائها، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تتحمل أعباء الفساد المتراكم في مؤسسات الدولة منذ عشرات السنين وتتحمل مسؤولية مكافحته، ومسؤولية مقاومة مكافحته، ومسؤولية تبعاته الفاسدة، وانتشاره الفاسد في زمن الحروب، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تكون مسؤولة عن تصحيح الخلل الهيكلي في مؤسسات الدولة وأدائها، هذا الخلل المتراكم منذ عقود، وأن تكون مسؤولة عن تصحيح الخلل الناتج عن أدائها هي أيضاً، وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد حرب يعني أن تكون قادرة على البحث عن حلول التوازن لمعادلات إرضاء العاملين وأرباب العمل، والمستوردين والمصدرين، المنتجين والمستهلكين، ومجلس الشعب، والأحزاب السياسية والهجمات الإعلامية، الداخلية والخارجية ونقص الكوادر البشرية وهي لا تزال تحمل السلاح باليد الأخرى.
أن تدير الحكومة اقتصاد الحرب، يعني ألا تقول للسائلين كم طلقة بقي في جعبتها وهي لا تزال تحمل السلاح بكلتا يديها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى