رأي

إعادة إعمار سورية … فرصة للاستثمار في مستقبلها

ليون زكي

يخطئ زعماء الدول الأوروبية بالانجرار وراء سياسة سيدهم الأميركي تجاه سورية، وخصوصاً فيما يتعلق بإعادة إعمار ما دمرته الحرب الظالمة فيها، التي لعبوا دوراً محورياً في نشوئها وتأجيجها وإطالة أمدها غير آبهين ببديهيات سياسية في مقدمتها أن إعادة الإعمار أهم عنصر في رسم ملامح مستقبل البلاد والمنطقة برمتها.
ويتجاهل هؤلاء أن عملية إعادة الإعمار تشجع على بدء التسوية السياسية واستمرارها وإدامتها لتحقيق مبتغاها، لأن الاستثمار في الإعمار لبناء وتطوير الاقتصاد وركائز التنمية وتحسين معيشة المواطنين، يحول مستقبلاً دون نشوء جيل جديد محبط من مفرزات وتداعيات الحرب وأكثر عرضة لتبني الأفكار الدينية المتشددة ونهجها الغلوائي التكفيري، الذي روج له تنظيم القاعدة ولقنه للأطفال واليافعين في مناطق محددة.

حقاً لقد ضيعت القارة العجوز جراء غيابها الدبلوماسي عن دمشق وإصرارها على مواصلة الانغلاق عنها، الكثير من الفرص التي كان بإمكانها حقن الدماء ووقف سيلها والمساهمة بفعالية في إعادة الإعمار ونيل حصة منها لأن عواصمها، وخصوصاً لندن وباريس، أقرب ما تكون من عاصمة الأمويين وأقدر على فهم دور وموقع سورية الإستراتيجي لكونها دولاً استعمارية خبرت المنطقة وشعوبها جيداً.

إن مشروع «مارشال سورية» حاجة دولية ملحة أكثر من كونه حاجة محلية سورية لمحاصرة الإرهاب ووقف انتشار مسوغاته، وأما اشتراط الاتحاد الأوروبي تحقيق تقدم في التسوية السياسية للمشاركة في إعادة إعمار سورية فحقّ يراد به باطل، وها هي التجربة الأفغانية تؤكد أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب على الإرهاب فيها، وعلى مراحل، كان مفيداً في انطلاق خطة «مارشال الأفغانية» بالتوازي مع عملية «تثبيت الحرية»، وفق تسمية الرئيس جورج بوش الأب، مع استمرار الغزو الأميركي لهذا البلد بدل الانتظار حتى تثبيت الأمن.

من الأفضل راهناً بدل المراهنة الغربية على عواقب قانون «سيزر» الأميركي الذي يستهدف سورية لثنيها عن مواقفها، العودة بشكل تدريجي وبمطالب معتدلة للتعامل مع الحكومة السورية وتشجيعها على اختيار طريق أقصر لتثبيت أسس السلام والاستقرار فيها وحضها على القيام بإصلاحات مفيدة وبناء جسور للثقة عبر مبادرات ترفع العقوبات المضرة بمواطنيها. فاللا مبالاة الأوروبية من خلال عدم المشاركة الفعالة في عملية سياسية فعالة تؤدي إلى السلام في سورية، يعزز انتشار الفوضى في سورية ويزيد من احتمال تخطيها لحدودها. ويمكن العودة إلى دمشق، ولرفع الحرج، عن طريق رجال الأعمال بداية والتعاون مع القطاع الخاص لا معاقبته بهدف رفع الضيم والظلم الذي لحق بالسوريين بدل زيادة معاناتهم وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
آن الأوان أن تتوقف العواصم الأوروبية عن الانسياق وراء الموقف الأميركي المتعنت نحو الحكومة السورية أن تكشف الفاعلة منها بالملف السوري عن اتصالاتها الرفيعة التي تجري من تحت الطاولة معها بما فيه مصلحة الطرفين والمنطقة بأكملها والقضاء على الإرهاب وإحلال السلام فيها.

إن إعادة تأهيل الاقتصاد السوري وبنيته التحتية والكف عن الضغط على مفاصله، يسهم في عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم وديارهم، ما يقلل من ضغط الهجرة على الدول الأوروبية التي عليها أن تدرك أن تبعيتها للسياسة الأميركية ومواصلة سياسة استصدار سلاسل العقوبات بحق السوريين واشتراطاتها السياسية للمساهمة في إعادة الإعمار، سيحرمها من المشاركة فيها ويخرجها مستقبلاً من أهم ملعب جيوسياسي حيوي تمركز وتمترس فيه جيداً حلفاء دمشق التي ستتجاوز حتماً عقبات إعادة الإعمار وأهمها التمويل الكبير اللازم الذي تتراوح تقديراته بين 300 و500 مليار دولار.
ولدى دمشق بدائل جيدة لإعادة الإعمار، وفي مقدمتها إعطاء امتيازات ومحفزات للصين الراغبة في الدخول بقوة في العملية واقتطاع حصة وافرة منها، لأن سورية ستتيح لها تحقيق مشروعها الرائد وطموحها التاريخي بالوصول إلى الساحل السوري وفتح طريق الحرير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى